(الأصل الخامس
في الحسن والقبح العقليين)
وهو الأصل الثامن في كلام حجة الإسلام ، وقد أوسع فيه المصنف فبدأ بتحرير محل النزاع فيهما بيننا وبين المعتزلة ، فذكر كغيره أنهما يطلقان لثلاثة معان ، ليس الأول ولا الثاني منها محلا للنزاع ، وإنما محل النزاع المعنى الثالث فقال : (لا نزاع في استقلال العقل بإدراك الحسن والقبح بمعنى صفة الكمال و) صفة (النقص ؛ كالعلم والجهل) وكالعدل والظلم ، فإن العقل يستقل بإدراك حسن العلم والعدل وقبح الجهل والظلم (ورد شرع أم لا ، و) كذا لا نزاع في استقلال العقل بإدراك الحسن والقبح (بمعنى ملاءمة الغرض وعدمها ؛ كقتل زيد بالنسبة إلى أعدائه) فإنه عندهم حسن (و) بالنسبة إلى (أوليائه) فإنه عندهم قبيح ، وتعبير المصنف ب «ملاءمة الغرض وعدمها» أولى من تعبير بعضهم عن هذا المعنى ب «ملاءمة الطبع ومنافرته» لأن ملاءمة الغرض أعم كما يظهر للمتأمل ، وملاءمة الطبع كحسن الحلو وقبح المر فالعقل يستقل بإدراك الحسن والقبح بهذا المعنى أيضا وفاقا منا ومنهم.
(وإنما النزاع) بيننا وبينهم (في استقلاله) أي : العقل (بدركه) بسكون الراء أي : إدراك ما ذكر من الحسن والقبح (في حكم الله تعالى ، فقالت المعتزلة : نعم) هما بهذا المعنى عقليان ، قالوا بيانا لمرادهم : (يجزم العقل بثبوت حكم الله تعالى في الفعل بالمنع) متعلق بقوله : «حكم الله» أي : ثبوت حكمه تعالى بالمنع من الفعل الواقع ذلك المنع (على وجه ينتهض) معه الفعل (سببا للعقاب إذا أدرك) العقل (قبحه).
قالوا : (و) يجزم العقل (بثبوت حكمه جل ذكره فيه) أي : في الفعل (بالإيجاب له والثواب بفعله) أي : إيجاده في الخارج (والعقاب بتركه إذا أدرك)