(قلنا :) ردا لما نقله الأستاذ (١) وعامة مشايخ سمرقند عن المعتزلة في معنى إيجاب العقل (٢) عندهم : ليس معنى إيجاب العقل عند المعتزلة ما ذكر (بل) معناه أن العقل (إذا علمه) أي : إذا علم حسن الفعل (عندهم علم وجوبه الثابت في نفس الأمر ، أعني : استحالة عدمه على زعمهم ، فالحاصل) في تحرير نقل (٣) مذهب المعتزلة هو (أن العقل إذا أدرك الحسن على الوجه الذي ذكرنا) وهو أن يستلزم ترك الفعل قبحا (في فعل يصح نسبته إليه تعالى ، و) نسبته (إلى العباد كإيصال رزق الفقير) إذ يصح أن ينسب إلى الله تعالى بأن يقال : أوصل الله رزق فلان ، ويصح أن ينسب إلى العبد فيقال : أوصل فلان رزق فلان (أدرك وجوب وقوعه) جواب «إذا» ، أي : أدرك العقل وجوب وقوع ذلك الفعل (منه سبحانه) وتعالى ، وفسر المصنف الوجوب بقوله : (أي : لا بد منه) لأن ذلك الفعل حسن لمعنى في نفسه فلا يتخلف وقوعه ، مثاله : الرزق ، هو ما قدره الله تعالى لينتفع به الحيوان ، ومنه الفقراء من نوع الإنسان ، وإيصاله فعل حسن لمعنى في نفسه هو كونه بحيث ينتفع به الحيوان ، فلا بد من وقوعه على الوجه الذي قدر (لاستحالة غيره) أي : عدم الوقوع ، أو وقوع خلاف ما قدره الله تعالى (وأدرك) أي : العقل (أمره سبحانه عباده بذلك) الفعل (الحسن كالزكاة) أي : التزكية ، وهي إيتاء المقدار الذي قدره تعالى من الرزق لمستحقها (٤) (بناء على اختيارهم) ذلك الإيتاء ، فوجوب إيصال الرزق بالنسبة إليه تعالى عند المعتزلة بمعنى وجوب الوقوع على الوجه الذي قدر (بخلاف وجوب) أي : الفعل المذكور (عليه) تعالى (بالمعنى الذي قالوا) أي : الماتريدية وعامة مشايخ سمرقند في نقل مذهب المعتزلة (حيث) اقتضى ما نقلوه عنهم أن العقل إذا أدرك الحسن أو القبح (لا يمكن ترك مقتضاه) أي : مقتضى ما أدركه من الحسن أو القبح ، كحسن الإيصال المذكور وقبح تركه مثلا ، فيكون
__________________
(١) أبو إسحاق الأسفراييني وهو الإمام إبراهيم بن مهران الأسفراييني الملقب بركن الدين ، عرف بالاجتهاد والورع ، توفي سنة ٤١٨ ه. له التعليقة في أصول الفقه وغيرها ، (وفيات الأعيان ، ١ / ٩٠٨).
(٢) في (م) : الفعل.
(٣) ليست في (م).
(٤) الزكاة : لغة النماء والربح والزيادة ، من زكا يزكو زكاة وزكاء ، وهي أيضا الصلاح. واصطلاحا : يطلق لفظ الزكاة على أداء حق يجب في أموال مخصوصة على وجه مخصوص ، ويعتبر في وجوبه الحول والنصاب. وتطلق أيضا على الصدقة الواجبة والمندوبة ، والنفقة والحق والعفو. (انظر : الموسوعة الفقهية ، ٢٣ / ٢٢٦).