وتعذيبهم من غير جرم) منهم (سابق) على الإيلام (ولا عقاب (١) لاحق) في الدنيا ولا في الآخرة ، ومعنى كون ذلك له أنه جائز عقلا لا يقبح منه تعالى ، (خلافا للمعتزلة حيث لم يجوّزوا ذلك) الإيلام والتعذيب (إلا بعوض) لاحق (أو جرم) سابق ، قالوا : (وإلا) أي : وإلا يكن ذلك ، بأن جاز عقلا إيلام بدون عوض ولا جرم (لكان ظلما غير لائق بالحكمة) وهو محال في حقه تعالى ، فلا يكون مقدورا له ، (ولذلك) القول الذي ذهبوا إليه (أوجبوا) على الله تعالى (أن يقتص لبعض الحيوانات من بعض).
(قلنا :) الملازمة في قولكم : «وإلا لكان ظلما» ممنوعة إذ (الظلم) هو (التصرّف في غير الملك) وهو محال في حقه تعالى ، فإنه لا يخرج عن ملكه شيء حتى يكون تصرفه فيه ظلما ، (و) إذا بطل استدلالكم فنقول : (يدل على) ما قلنا من (جواز ذلك) الإيلام من غير عوض ولا جرم (وقوعه ، وهو) أي : ذلك الواقع (ما يشاهد من أنواع البلاء بالحيوان من الذبح) للمأكولة التي لم تتوحش (والعقر) للصيد وما في معناه (ونحوه) أي : ونحو ما ذكر الذبح والعقر كالحراثة وجر الأثقال وحملها ، (ولم يتقدم لها) أي : للحيوانات (جريمة) تقتضي ذلك.
(فإن قالوا : إنه تعالى يحشرها) يوم القيامة (ويجازيها ، إما في الموقف) كما قاله بعضهم (أو في الجنة بأن تدخل) الجنة (في صور حسنة) بحيث (يلتذ برؤيتها) على تلك الصور (أهل الجنة ،) فتنال نعيم الجنة في مقابلة ما نالها من الألم ، (أو) أنها تكون (في جنة تخصّها) تنال نعيمها (على حسب مذاهبهم) المختلفة (في ذلك).
(قلنا) في الجواب : (ذلك) الذي ذكرتم من جزائها بتفصيله (لا يوجبه العقل) ولا شيئا منه ، (فإن جوّزه ولم يرد به سمع) يصلح مستندا للجزم بوجوب وقوعه في الآخرة ، (فلا يجوز الجزم به).
وقد أشار المصنف إلى دفع تمسكهم بما زعموه مستندا للجزم فقال : (وما ورد من الاقتصاص للشاة الجماء) أي : التي لا قرن لها (من الشاة القرناء) أي : ذات القرن إذا نطحتها في الدنيا (إن ثبت ، وهو) أي : ذلك الاقتصاص (أن يدخل الله) تعالى (عليها) أي : على القرناء من الألم في (الموقف بقدر ما يعلمه
__________________
(١) في (م) : ثواب.