المملوك لا استقلال له بتصرف (١).
ولما كان هذا المقام بحيث قد يتوهم متوهم فيه أن الحكمة بمعنى الغرض تعرض المصنف للفرق بينهما فقال : (واعلم أن قولنا : له) سبحانه وتعالى (في كل فعل حكمة ، ظهرت) تلك الحكمة (أو خفيت) فلم تظهر ، (ليس هو) أي : الحكمة (بمعنى الغرض ،) وتذكير الضمير باعتبار أن الحكمة معنى ، ويصح أن يكون الضمير ل «قولنا» ، أي : ليس قولنا : إن له حكمة بمعنى أن له غرضا ، هذا (إن فسّر) الغرض (بفائدة ترجع إلى الفاعل ، فإن فعله تعالى وخلقه العالم لا يعلّل بالأغراض) بهذا التفسير للغرض ؛ (لأنه) أي : الفعل لغرض بهذا التفسير يقتضي استكمال الفاعل بذلك الغرض ، لأن حصوله للفاعل أولى من عدمه ، وذلك (ينافي كمال الغنى عن كل شيء) ، وقد قال تعالى : ((إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (سورة العنكبوت : ٦)) وقال تعالى : (وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) (سورة محمد : ٣٨).
(وإن فسّر) الغرض (بفائدة ترجع إلى غيره) تعالى ، بأن يدرك رجوعها إلى ذلك الغير كما نقل عن الفقهاء من أن أفعاله تعالى لمصالح ترجع إلى العباد تفضلا منه (فقد تنفي أيضا إرادته من الفعل) نظرا إلى تفسير الغرض بالعلة الغائية (٢) التي تحمل الفاعل على الفعل ، لأنه يقتضي أن يكون حصوله بالنسبة إليه تعالى أولى من لا حصوله ، فيلزم الاستكمال المحذور ، (وقد تجوز) إرادته من الفعل نظرا إلى أنه منفعة مترتبة على الفعل لا علة غائية حاملة على الفعل ، حتى يلزم الاستكمال المحذور (والحكمة على هذا) التفسير (أعم منه) أي : من الغرض ، لأنها إذا نفيت إرادتها من الفعل سميت غرضا ، وإذا جوّزت كانت حكمة لا غرضا.
(وأما أحكامه) سبحانه وتعالى (فمعلّلة بالمصالح ودرء المفاسد عند الفقهاء ،
__________________
(١) في هذا قياس للغائب على الشاهد ، فإننا نشاهد أن العبد تحت ولاية سيده ، لا يملك حق التصرف المستقل ، بل الأمر عائد إلى سيده إن شاء أذن له وإن شاء أمسك ، وهذا القياس جائز مع نفي المماثلة بين المستويين (الإلهي والبشري).
(٢) العلة الغائية : عند الأصوليين : هي الباعث على الحكم ، وعند المتكلمين والمناطقة : هي ما لأجله يتحرك نحو الشيء ويوجده ، كصناعة الكرسي للجلوس عليه ، فهي باعثة على الغرض والمقصد ، وهذه العلة منتفية عن أفعال الله تعالى ، لأن إرادة الله مطلقة لا يشوبها أي معنى من معاني الحمل والجبر ، والعلة الموجودة في القرآن في مثل قوله تعالى (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) ... وغيرها إنما هي علة جعلية وضعها الله تعالى كرابط من محض المشيئة. لكن لا بدّ من ملاحظة أن أفعال الله سبحانه ليست عبثية ، بل ترمي إلى مصالح وحكم يعلمها دون أن تكون عللا غائية دافعة.