(الأصل الثالث : في البقاء)
وهو : (أن الله تعالى أبديّ ليس لوجوده آخر ، أي يستحيل أن يلحقه عدم) لأنه قد ثبت قدمه تعالى وما ثبت قدمه استحال عدمه (لأنه لو جاز عدمه) لاحتاج انعدامه بعد وجوده إلى علة لما مر من استحالة الترجح بلا مرجح (فإمّا) أن ينعدم (بنفسه) بأن يكون انعدامه أثرا لقدرته (أو) ينعدم (بمعدم يضادّه ،) فيمتنع وجوده معه ، وسكت عن المثل والخلاف (١) لأنه لا يتوهم صلاحيتهما لعلية انعدام المثل والخلاف (والأول) وهو انعدامه بنفسه (باطل ؛ لأنه لمّا ثبت أنه الموجد الذي استندت إليه كل الموجودات ثبت عدم استناد وجوده إلى غيره ، فلزم أن يكون) وجوده له (من نفسه) أي : اقتضته ذاته المقدسة اقتضاء تاما (فإذا ثبت أن وجوده مقتضى ذاته) المقدسة (استحال أن تؤثر) ذاته (عدمها ؛ لأن ما بالذات) أي : ما تقتضيه الذات اقتضاء تاما (لا يتخلف عنها.)
وقد تختصر العبارة عن ذلك فيقال : لأن واجب الوجود لا يقبل الانتفاء بحال ، فيلزم بقاؤه كما يلزم قدمه.
(وكذا الثاني) وهو انعدامه بمعدم يضاده باطل أيضا (لأن ذلك الضد المقتضي نفيه إما قديم أو حادث ، لا يجوز الأول) وهو كونه قديما (وإلّا) لو جاز كون ذلك الضد قديما (لم يوجد معه) أي : لزم انتفاء وجود الباري سبحانه وتعالى مع ذلك الضد (من الابتداء أصلا ؛ لأن التضاد يمنع الاجتماع) بين الشيئين اللذين اتصفا به (وقد ثبت وجوده تعالى) أزلا (ومحال وجوده في القديم ومعه ضده) لما مر آنفا من أن التضاد يمنع الاجتماع (ولا) يجوز (الثاني) أيضا وهو كون ذلك
__________________
(١) الترجيح بلا مرجح : أن يكون الشيء جاريا على نسق معين ، ثم يتغير عن نسقه ويتحول ، دون وجود أي مغير إطلاقا ، ويعبر البعض عنه بحدوث الطفرة ، وهو باطل عقلا ؛ لاحتياج المعلول إلى علة في إيجاده وتغيّره.