(الأصل الرابع : أنه تعالى ليس بجوهر يتحيز)
أي : يختص بالكون في الحيز ، خلافا للنصارى (١).
وقوله : «يتحيز» وصف كاشف ؛ لا مخصص ؛ لأن من شأن الجوهر الاختصاص بحيزه ، وحيز الجوهر عند المتكلمين هو الفراغ المتوهم الذي يشغله الجوهر ، (وإلا) أي : وإن لا يكن ذلك بأن كان جوهرا (لكان) إما (متحركا في حيزه أو ساكنا) فيه لأنه لا ينفك عن أحدهما (وهما) أي : الحركة والسكون المدلول عليهما بقوله : «متحركا أو ساكنا» (حادثان) لما عرفته فيما سبق فكان لا يخلو عن الحوادث (وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث).
والحكم بحدوثه ثابت (بما قدمناه) أي : بسبب ما قدمناه في الأصل الأول من الدليل (٢) ، وقد علم من استحالة كونه تعالى جوهرا استحالة لوازم الجوهر عليه تعالى ، من التحيز ولوازمه كالجهة وسيأتي بيان ذلك في الأصل السابع.
(فإن سمّاه أحد جوهرا ثم قال لا كالجواهر في التحيّز ولوازم التحيز) من إثبات الجهة والإحاطة ونحوهما (فإنما خطؤه في التسمية) أي : من حيث إطلاق لفظ الجوهر عليه تعالى لا من حيث المعنى لمثل ما سيأتي في إطلاق الجسم إذ
__________________
(١) يعتقد النصارى بأن الله جوهر ، واستدلوا على ذلك بقولهم : إننا وجدنا الأشياء كلها في الشاهد والوجود لا تخلو من أن تكون جوهرا أو أعراضا ، وقد اتفقنا على أن القديم ليس بعرض فوجب أن يكون جوهرا ، والجوهر هو القائم بنفسه المستغني في الوجود عن غيره ، ومن مستلزمات الجوهر التحيز ، فالله يختص في الكون بحيز ، وقد أبطل الباقلاني ادّعاءهم بقوة منطق وحجة. انظر : التمهيد للباقلاني ، ص ٧٥.
(٢) وهو أنه لو لم يكن ما لا يخلو عن الحوادث حادثا لكان قبل كل حادث حوادث لا أول لها ، مترتبة كما تقول الفلاسفة في دوران الأفلاك ، فما لم ينقص ما لا أول له من الحوادث لم تنته النوبة إلى وجود الحادث الحاضر. كتب بهامش (م).