(الأصل الثامن : أنه تعالى استوى على العرش)
وهذا الأصل معقود لبيان أنه تعالى غير مستقر على مكان كما قدمه صريحا في ترجمة أصول الركن الأول ، ونبه عليه هنا بالجواب عن تمسك القائلين بالجهة والمكان ، فإن الكرامية يثبتون جهة العلو من غير استقرار على العرش ، والحشوية (١) وهم المجسّمة يصرحون بالاستقرار على العرش ، وتمسكوا بظواهر منها قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (٥) (سورة طه : ٥) وحديث الصحيحين : «ينزل ربّنا كلّ ليلة ...» الحديث (٢).
وأجيب عنه بجواب إجمالي هو كالمقدمة للأجوبة التفصيلية ، وهو أن الشرع إنما ثبت بالعقل ، فإن ثبوته يتوقف على دلالة المعجزة على صدق المبلغ ، وإنما ثبتت (٣) هذه الدلالة بالعقل فلو أتى الشرع بما يكذب العقل وهو شاهده لبطل الشرع والعقل معا.
إذا تقرر هذا فنقول : كل لفظ يرد في الشرع مما يسند إلى الذات المقدسة أو يطلق اسما أو صفة لها وهو مخالف للعقل ويسمى «المتشابه» ، لا يخلو ؛ إما
__________________
(١) الحشوية : هم فرقة من أهل الحديث تمسكوا بظواهر الأحاديث التي تشعر بالتشبيه ، وأبرز من مثّل هذه الفرقة عبد الله بن محمد بن كلاب ، وكان تمسكهم في التشبيه بأحاديث موضوعة ومدسوسة أو ظواهر بعض الآيات ، كحديث : إن الله تعالى لما أراد أن يخلق نفسه خلق الخيل فأجراها حتى عرقت ثم خلق نفسه من ذلك العرق. وكذا حديث : خلق الله الملائكة من شعر ذراعيه وصدره أو من نورهما ، وغيرها من الأحاديث الموضوعة الباطلة ، وتبعهم أقوام في تمسكهم بظواهر الآثار الصحيحة كمشبهة الحنابلة. انظر : اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ، للرازي ص ٩٧ ـ ١٠٠.
(٢) تمام الحديث : «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا ، حين يبقى ثلث الليل الآخر ، فيقول : من يدعوني فأستجيب له ، ومن يسألني فأعطيه ، ومن يستغفرني فأغفر له» رواه البخاري برقم : ١٠٩٤ ، ومسلم برقم : ٧٥٨ وغيرهما ، عن أبي هريرة.
(٣) في (م) : تثبت.