فرض (وإلا) أي : وإلا يكن ذلك بأن فرض اللزوم في أحد الطرفين وعدمه في الآخر (فتحكم) أي : فهو تحكم (محض).
(و) يقال في الاستدلال على جواز الرؤية أيضا : (كما جاز أن يعلم) الباري (سبحانه من غير كيفية وصورة جاز أن يرى كذلك) أي : من غير كيفية وصورة (لما قلنا) آنفا (أن الرؤية نوع علم خاص) يخلقه الله تعالى في الحي ، غير مشروط بمقابلة ولا غيرها مما ذكر.
وقوله : (وحصول المسافة والمقابلة) إلى آخره جواب سؤال ، تقريره : إن الرؤية في الشاهد لا تنفك عن حصول المقابلة في الجهة والمسافة بين الرائي والمرئي ، (و) حصول (الإحاطة) أي : إحاطة الرائي ببعض المرئيات ، (و) حصول إدراك (الصورة) أي : صورة المرئي ، فليكن في الغائب كذلك وإنه باطل لتنزه الباري تعالى عن ذلك ، فانتفت الرؤية في حقه لانتفاء لازمها.
وتقرير الجواب : منع الملازمة ، وسنده : أن حصول المسافة والمقابلة والإحاطة والصورة (ثمّ) أي : هناك ، يعني في الرؤية في الشاهد (لاتفاق كون بعض المرئيات كذلك) أي : يتصف بالمقابلة على المسافة المخصوصة ، وبالإحاطة به وبالصورة (١) لكونه جسما ، (لا لكونها) أي : الأمور المذكورة (معلولا عقليا لهذا النوع من العلم المسمى رؤية ، لثبوته) أي : ذلك النوع المسمى (رؤية مع انتفائها) أي : مع انتفاء الأمور المذكورة (على ما بيّناه) بالاستدلال السابق ، والمعلول ((٢) لا يثبت مع انتفاء علته (٢)) ، وإلا لم تكن علة له (٣). والله أعلم.
__________________
(١) في (م) : الضرورة.
(٢) في (م) : لا ينتفي مع ثبوت علته.
(٣) العلة : عند المعتزلة : المؤثر بذاته في الشيء ، وعند علماء الأصول : وصف ظاهر منضبط يلزم من وجوده وجود الحكم ومن عدمه عدم الحكم ، وعند المتكلمين من أهل السنة : هي ما يراد أن يحصل قبل الإيجاد وما تحقق فعلا بعد الإيجاد ، وتتنوع إلى علة فاعلية وعلة غائية وعلة صورية.