قلنا : لا تعاكس ؛ لأن معنى قولنا : «إن الوقوع تابع للعلم» أن حدوث الواقع على حسب ما تعلق به العلم القديم ، ومراد القائل بأن العلم تابع للوقوع أن العلم بوقوع الشيء في وقت معين تابع لكونه بحيث يقع فيه ، فالعلم بمثابة الحكاية عنه ، والحكاية تابعة للمحكي ، وبهذا الاعتبار فالمعلوم أصل في التطابق والعلم تابع له فيه.
(الأصل الخامس) والأصل (العاشر) في ترتيب حجة الإسلام ، جمعهما المصنف هنا لتعلق الخامس بما ترجم له به ، وتعلق العاشر بما تضمنه كل من الخامس ومن الأصول الستة السابق ذكرها.
فالأصل الخامس (أنه تعالى سميع بصير)
(بلا جارحة) لا (حدقة و) لا (أذن ، كما أنه) تعالى (عليم بلا دماغ و) لا (قلب) ، لا كعلم المخلوق المختلف في محلّه أهو الدماغ أو القلب؟ ولا كسمع المخلوق الذي هو : قوة مودعة في مقعر الصماخ يتوقف إدراكها للأصوات على حصول الهواء الموصل لها إلى الحاسة وتأثر (١) الحاسة ، ولا كبصر المخلوق الذي هو : قوة مودعة في العصبتين المجوفتين الخارجتين من الدماغ ، بل المراد بالعلم صفة وجودية قائمة بالذات توجب العالمية ، والمراد بالسمع ، صفة وجودية قائمة بالذات شأنها إدراك كل مسموع وإن خفي ، والمراد بالبصر : صفة وجودية قائمة بالذات شأنها إدراك كل مبصر وإن لطف.
(بمرأى منه) تعالى (خفايا الهواجس والأوهام) و «المرأى» : موضع الرؤيا ، و «الهاجس» : ما يخطر بالبال ، و «الوهم» بمعناه ، ففي «المحكم» : الوهم من خطرات القلب ، وجمعه أوهام ، (وبمسمع منه صوت أرجل النملة) الصغيرة المسماة بالذرة (على الصخرة الملساء) و «المسمع» ـ بفتح ميمه ـ : الموضع الذي يسمع منه.
وثبوت صفتي السمع والبصر بالسمع ، فقد ورد وصفه تعالى بهما فيما لا يكاد يحصى من الكتاب والسنة ، وهو مما علم ضرورة من دين محمد صلىاللهعليهوسلم ، فلا حاجة بنا إلى الاستدلال عليه كسائر ضروريات الدين ، ومع ذلك فقد استدل عليه المصنف ـ كأصله ـ بقوله : (لأنهما صفتا كمال) وقد اتصف بهما المخلوق (فهو)
__________________
(١) في (م) : وتأثير في.