الآخر ، وكلّ من الذات المقدّسة وصفاتها لا يتصوّر انفكاك أحدهما عن الآخر. والله أعلم.
(الأصل السادس) والأصل (السابع : أنه تعالى متكلّم بكلام قديم أزليّ ، باق أبدي ، قائم بذاته) لا يفارقها.
وقد عقد حجة الإسلام الأصل السادس في كونه تعالى متكلّما والسابع في كون كلامه قديما.
ومما يدل على المدّعى ، وهو كونه متكلما : إجماع الرسل عليهم الصلاة والسلام ، فإنه قد تواتر عنهم أنهم كانوا ينسبون له الكلام فيقولون : إنه تعالى أمر بكذا ونهى عن كذا وأخبر بكذا ، وكل ذلك من أقسام الكلام ، فثبت المدّعى.
فإن قيل : إن صدق الرسل موقوف على تصديق الله إياهم ، إذ لا طريق إلى معرفته سواه ، وتصديقه تعالى إياهم إخبار عن كونهم صادقين ، والإخبار كلام خاص به تعالى ، فقد توقّف صدقهم في إثبات كلامه على كلامه تعالى ، وذلك دور.
قلنا : لا دور ؛ لأن تصديقه تعالى إياهم بإظهار المعجزة على وفق دعواهم ، فإنه يدل على صدقهم : ثبت الكلام ؛ بأن كانت المعجزة من جنسه ؛ كالقرآن الذي يعلم أوّلا أنه معجز خارج عن طوق البشر ، ثم يعلم به صدق الدعوى ، أم لم يثبت ؛ كما إذا كانت المعجزة شيئا آخر.
وإثبات صفة الكلام له تعالى هو على ما يليق به سبحانه ، كسائر الصفات.
فهو متكلّم بكلام (ليس بحرف ولا صوت ، هو) تعالى (به) أي : بذلك الكلام (طالب) لفعل أو ترك ، (مخبر) لعباده بما كان وبما يكون بالنسبة إلى وقت وجودهم (أما أنه) يعني الكلام الذي هو صفة له تعالى (قديم فلأنه) يمتنع قيام الحوادث بذاته تعالى.
وقوله : «هو به طالب مخبر» إشارة إلى أن الكلام متنوع في الأزل إلى أمر ونهي وخبر واستخبار ونداء ، والأولان والرابع والخامس أنواع للطلب.
وتنوعه هذا لا ينافي كونه واحدا ؛ لأنها ليست أنواعا حقيقة وإنما هي أنواع اعتبارية تحصل له بحسب تعلقه بالأشياء ، فذلك الكلام الواحد باعتبار تعلقه بشيء على وجه مخصوص يكون خبرا ، وباعتبار تعلقه بشيء آخر أو على وجه آخر يكون أمرا ، وكذا الحال في البواقي.