لما يصيرون إليه في الحال الآجلة ، فمن تيسر له العمل الصالح كان مأمولا له الفوز ، ومن تيسر منه العمل الخبيث ، كان مخوفا عليه الهلاك ، وهذه أمارات من جهة العلم الظاهر ، وليست بموجبات فإنّ الله ـ عزوجل ـ طوى علم الغيب عن خلقه ، وحجبهم عن دركه ، كما أخفى أمر الساعة فلا يعلم أحد متى أيان قيامها ، ثم أخبر على لسان رسوله صلىاللهعليهوسلم ببعض أماراتها وأشراطها» (١).
وقال أبو سليمان في موضع آخر : «ويشبه أن يكونوا والله أعلم إنّما عوملوا بهذه المعاملة وتعبدوا بهذا النوع من التعبد ليتعلق خوفهم بالباطن المغيب عنهم ، ورجاؤهم بالظاهر البادي لهم ، والخوف والرجاء مدرجتا العبودية ، فيستكملوا بذلك صفة / الإيمان وبيّن لهم أنّ كلا ميسر لما خلق له وأنّ عمله في العاجل دليل مصيره في الآجل وبذلك تمثل بقوله ـ جلّ وعزّ : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى) (٢) الآية وهذه الأمور إنما هي في حكم الظاهر من أحوال العباد ، ومن وراء ذلك علم الله ـ عزوجل ـ فيهم وهو الحكيم الخبير (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (٣)
__________________
ـ بالسبب وقع المقدور ، ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور ، وهذا كما قدّر الشّبع والريّ بالأكل والشرب ، وقدّر الولد بالوطء ، وقدّر حصول الزرع بالبذر ، وقدّر خروج نفس الحيوان بذبحه ، وكذلك بالبذر ، وقدّر خروج نفس الحيوان بذبحه ، وكذلك قدّر دخول الجنّة بالأعمال ، ودخول النّار بالأعمال».
والقرآن والسنّة مملوءان بأنّه يخلق الأشياء بالأسباب كما قال تعالى : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) وقوله : (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ) وقوله : (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ) قال العلامة ابن قيم الجوزية : «وأمثال هذا في القرآن يزيد على ألف موضع ... والقرآن من أوّله إلى آخره صريح في ترتب الجزاء بالخير والشر أو الأحكام الكونية والأمريّة على الأسباب ، بل في ترتب أحكام الدنيا والآخرة ومصالحهما ومفاسدهما على الأسباب والأعمال» [الجواب الكافي / ص ١٧] وانظر مبحث عقيدة المصنّف المتقدم ففيه مزيد بيان.
(١) «معالم السنن» (٤ / ٢٩٣).
(٢) سورة الليل ، رقم الآية (٥).
(٣) سورة الأنبياء ، رقم الآية (٢٣).