والروائح والأشكال والمقادير والحركات وغير ذلك ، فإذا كان قد خلق لون الإنسان لم يكن هو المتلون به ، وإذا خلق رائحة منتنة أو طعما مرا أو صورة قبيحة ونحو ذلك مما هو مكروه مذموم مستقبح ، لم يكن هو متصفا بهذه المخلوقات القبيحة المذمومة والمكروهة والأفعال القبيحة ، ومعنى قبحها كونها ضارة لفاعلها ، وسببا لذمه وعقابه ، وجالبة لألمه وعذابه ، وهذا أمر يعود على الفاعل الذي قامت به لا على الخالق الذي خلقها فعلا لغيره» (١).
المسألة الثانية : مسألة قدرة العبد ، وهل لها تأثير؟
فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمهالله تعالى ـ : «التأثير اسم مشترك ، قد يراد بالتأثير الانفراد بالابتداع والتوحيد بالاختراع ، فإن أريد بتأثير قدرة العبد هذه القدرة فحاشا لله ، لم يقله سنيّ ، وإنّما هو المعزو إلى أهل الضلال ، وإن أريد بالتأثير نوع معاونة إنما في صفة من صفات الفعل ، أو في وجه من وجوهه كما قاله كثير من متكلمي أهل الإثبات فهو أيضا باطل بما به بطل التأثير في ذات الفعل ، إذ لا فرق بين إضافة الانفراد بالتأثير إلى غير الله ـ سبحانه ـ في ذرة أو فيل ، وهل هو إلا شرك دون شرك ، وإن كان قائل هذه المقالة ما نحا إلّا نحو الحق. وإن أريد بالتأثير أن خروج الفعل من العدم إلى الوجود كان بتوسط القدرة المحدثة ، بمعنى أن القدرة المخلوقة هي سبب وواسطة في خلق الله ـ سبحانه وتعالى ـ الفعل بهذه القدرة ، كما خلق النبات بالماء ، وكما خلق الغيث بالسحاب ، وكما خلق جميع المسببات ، والمخلوقات بوسائط وأسباب فهذا حق ، وهذا شأن جميع الأسباب والمسببات ، وليس إضافة التأثير بهذا التفسير إلى قدرة العبد شركا ، وإلّا فيكون إثبات جميع الأسباب شركا ، وقد قال الحكيم الخبير : (فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ) وقال تعالى : (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ).
فبين أنّه المعذّب ، وأن أيدينا أسباب وآلات وأوساط وأدوات في
__________________
(١) «مجموع الفتاوى» (٨ / ١٢١ ـ ١٢٣).