(آيَةٍ) : حجة وبرهان.
(يَعْرِفُونَهُ) : الضمير عائد إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أي يعلمون أنه نبي الله ورسوله لما في كتبهم من صفاته الواضحة القطعية.
(مِنَ الْمُمْتَرِينَ) : الشاكين والامتراء : الشك وعدم التصديق.
معنى الآيات :
يعلم الله تعالى رسوله أنه كان يراه وهو يقلّب وجهه في السماء انتظارا لوحي يؤمر فيه باستقبال الكعبة بدل بيت المقدس لرغبته في مخالفة اليهود ولحبه لقبلة أبيه إبراهيم إذ هي أول قبلة وأفضلها فبناء على ذلك (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ (١) الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ، وبهذا الأمر الإلهي تحولت القبلة وروي أنه كان يصلي الظهر في مسجد بني سلمة المعروف الآن بمسجد القبلتين فصلى الرسول والمؤمنون وراءه ركعتين إلى بيت المقدس وركعتين إلى الكعبة ، وكيلا تكون القبلة خاصة بمن كان بالمدينة قال تعالى : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ) أي في نواحي البلاد وأقطار الأرض (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) أي شطر المسجد الحرام كما أخبر تعالى في هذه الآية أن علماء أهل الكتاب يعرفون أن تحول القبلة حق وأنه بأمر الله تعالى وما أحدثوه من التشويش والتشويه إزاء تحول القبلة فقد علمه وسيجزيهم به إذ لم يكن تعالى بغافل عما يعملونه.
وفي الآية الثانية (١٤٥) يخبر تعالى بحقيقة ثابتة وهي أن النبي صلىاللهعليهوسلم لو أتى (٢) اليهود والنصارى بكل آية تدل على صدقه وأحقية القبلة إلى الكعبة ما كانوا ليتابعوه على ذلك ويصلوا إلى قبلته كما أن النصارى لم يكونوا ليصلوا إلى بيت المقدس قبلة اليهود ، ولا اليهود ليصلوا إلى مطلع الشمس قبلة النصارى ، كما أن النبي صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين لم يكونوا أبدا ليتابعوا أهل الكتاب على قبلتهم بعد أن هداهم الله إلى أفضل قبلة وأحبها إليهم. وأخيرا يحذر الله رسوله أن يتبع أهواء اليهود فيوافقهم على بدعهم وضلالاتهم بعد الذي أعطاه من العلم وهداه إليه من الحق ، وحاشاه صلىاللهعليهوسلم أن يفعل ولو فعل لكان من الظالمين.
__________________
(١) الشطر لغة : النصف ومنه الحديث : «الطهور شطر الإيمان» والشاطر من الناس من أخذ في نحو غير الاستواء ، وهو الذي أعيا أهله خبثا ، وهو من بعد عن طاعة الله ورسوله أيضا.
(٢) قلت في التفسير : لو أتى اليهود الخ : لأن لئن في الآية بمعنى لو ، لأنها أجيبت بجواب لو ، وهو المضي والوقوع إذ قال تعالى : (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) فقوله : (ما تَبِعُوا) جواب لئن والمفروض فيها أن يجاب بالمضارع.