ما يكون عونا لهم على الثبات على قبلتهم التي اختارها لهم ، وعلى ذكر ربهم وشكره وعدم نسيانه وكفره فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا) أي على ما طلب منكم من الثبات والذكر والشكر ، وترك النسيان والكفر بالصبر الذي هو توطين النفس وحملها على أمر الله تعالى به وبإقام الصلاة ، وأعلمهم أنه مع الصابرين يمدهم بالعون والقوة ، فإذا صبروا نالهم عون الله تعالى وتقويته وهذا ما تضمنته الآية الأولى (١٥٣) أما الآية الثانية (١٥٤) فقد تضمنت نهيه تعالى لهم أن يقولوا معتقدين إن من قتل في سبيل الله ميت إذ هو حي في البرزخ وليس بميت بل هو حي يرزق في الجنة كما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش». (رواه مسلم). فلذا لا يقال لمن قتل في سبيل الله مات (١) ولكن استشهد وهو شهيد وحيّ عند ربه حياة لا نحسها ولا نشعر بها لمفارقتها للحياة في هذه الدار. وأما الآية الثالثة (١٥٥) فإنه يقسم (٢) تعالى لعباده المؤمنين على أنه يبتليهم بشيء من الخوف (٣) بواسطة اعدائه واعدائهم وهم الكفار عند ما يشنون الحروب عليهم وبالجوع لحصار العدو ولغيره من الأسباب ، وبنقص الأموال كموت الماشية للحرب والقحط ، وبالأنفس كموت الرجال ، وبفساد الثمار بالجوائح ، كل ذلك لإظهار من يصبر على إيمانه وطاعة ربه بامتثال أمره واجتناب نهيه ومن لا يصبر فيحرم ولاية الله وأجره ، ثم أمر رسوله بأن يبشر الصابرين ، وبين في الآية الرابعة (١٥٦) حال الصابرين وهي أنهم إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله ، فله أن يصيبنا بما شاء لأنّا ملكه وعبيده ، وإنا إليه راجعون بالموت فلا جزع إذا ولكن تسليم لحكمه (٤) ورضا بقضائه وقدره ، وفي الآية الخامسة (١٥٧) أخبر تعالى مبشرا أولئك الصابرين بمغفرة ذنوبهم وبرحمة من ربهم ، وإنهم المهتدون إلى سعادتهم وكمالهم ، فقال : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).
__________________
(١) لا يقال لمن قتل في سبيل الله مات ، بمعنى انقطعت عنه الحياة والشهيد لم يمت وإنّما انتقل من حياة ناقصة إلى حياة كاملة دائمة ، كما أن لفظ الموت مفزع للإنسان فإذا دارت المعركة وسقط الشهداء ، وقيل مات فلان وفلان يؤثر ذلك في نفس من سمع كلمة الموت ولذا لا يقال مات ولكن استشهد.
(٢) دلّ على القسم : اللّام في قوله : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) إذ هي موطئة للقسم كأنما قال : وعزتي وجلالي لنبلونكم الخ ..
(٣) من فسّر الخوف بالخوف من الله والجوع بالصيام ، ونقص من الأموال بالزكاة لم يخطىء ولكن ما فسّرت به الآية هو الصواب الحق الذي عليه أئمة التفسير.
(٤) روى أحمد والترمذي عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين بن علي رضي الله عنهما أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ما من مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبة فيذكرها وإن طال عهدها فيحدث لذلك استرجاعا إلّا جدّد الله له عند ذلك فأعطاه مثل أجرها يوم أصيب.