معنى الآيتين :
كان العرب في الجاهلية يشربون الخمور ويقامرون وجاء الإسلام فبدأ دعوتهم إلى التوحيد والإيمان بالبعث الآخر إذ هما الباعث القوي على الاستقامة في الحياة ، ولما هاجر الرسول صلىاللهعليهوسلم والعديد من أصحابه وأصبحت المدينة تمثل مجتمعا إسلاميا وأخذت الأحكام تنزل شيئا فشيئا فحدث يوما أن صلى أحد الصحابة بجماعة وهو ثملان فخلط في القراءة فنزلت آية النساء (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) فكانوا لا يشربونها إلا في أوقات معينة وهنا كثرت التساؤلات حول شرب الخمر فنزلت هذه الآية (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) فأجابهم الله تعالى بقوله (قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) فترك الكثير (١) كلا من شرب الخمر ولعب القمار لهذه الآية. وبقي آخرون فكان عمر يتطلع إلى منعهما منعا باتا ويقول : (اللهم بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا) فاستجاب الله تعالى له ونزلت آية المائدة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) إلى قوله (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) فقال عمر : (انتهينا ربنا) وبذلك حرمت الخمر وحرم الميسر تحريما قطعيا كاملا ووضع الرسول صلىاللهعليهوسلم حدّ الخمر وهو الجلد. وحذر من شربها وسماها أم الخبائث وقال : «مدمن الخمر لا يكلمه الله يوم القيامة ولا يزكيه في ثلاثة نفر وهم العاقّ لوالديه ، ومسبل إزاره ، ومدمن شرب الخمر».
وقوله تعالى : (فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ (٢) وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) فهو كما قال تعالى فقد بيّن في سورة المائدة منشأ الإثم وهو أنهما يسببان العداوة والبغضاء بين المسلمين ويصدان عن ذكر الله وعن الصلاة وأي إثم أكبر في زرع العداوة والبغضاء بين أفراد المسلمين ، والإعراض عن ذكر الله وتضييع الصلاة حقا إن فيهما لإثما كبيرا ، وأما المنافع فهي إلى جانب هذا الإثم قليلة ومنها الربح في تجارة الخمر وصنعها ، وما تكسب شاربها من النشوة والفرح والسخاء والشجاعة ، وأما الميسر فمن منافعه الحصول على المال بلا كد ولا تعب وانتفاع بعض الفقراء به إذ كانوا يقامرون على الجزور من الإبل ثم يذبح ويعطى للفقراء والمساكين.
__________________
(١) يري كثير من المفسرين أنّ آية البقرة هذه نزلت قبل آية النساء وما رجحته في التفسير أولى ، لأنّ آية البقرة تعتبر محرّمة للخمر والميسر بخلاف آية النساء.
(٢) لما كان تحريم الخمر تدريجيا كان من الحكمة ذكر ما كانوا يرونه من المنافع في الاتجار بها وشربها وكذا منافع الميسر إذ كانوا يعطون ما يربحونه للفقراء ، وحسبهم وهم المؤمنون صرفا لهم عن الخمر والميسر قوله : (وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) وإذا زادت المضرة على المنفعة بطل العمل عقلا وشرعا.