(بَقِيَّةٌ) : بقية الشيء ما تبقى منه بعد ذهاب أكثره وهي هنا رضاض من الألواح التي تكسرت ، وعصا موسى وشىء من آثار أنبيائهم.
(تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ) : من أرض العمالقة فتضعه بين يدي بني اسرائيل في مخيماتهم.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ) : أي في إتيان التابوت الذي أخذه العدو بالقوة منكم في رده إليكم علامة قوية على اختيار الله تعالى لطالوت ملكا عليكم.
معنى الآية الكريمة
قد أصبح بشرح الكلمات معنى الآية واضحا وخلاصته أن شمويل النبي أعلمهم أن آية تمليك الله تعالى لطالوت عليهم أن يأتيهم التابوت المغصوب منهم وهو رمز تجمعهم واتحادهم ومصدر استمداد قوة معنوياتهم لما حواه من آثار آل موسى وآل هارون كرضاض الألواح وعصا موسى ونعله وعمامة هارون وشيء من المن الذي كان ينزل عليهم في التيه. فكان هذا التابوت بمثابة الراية يقاتلون تحتها فإنهم إذا خرجوا لقتال حملوه معهم إلى داخل المعركة ولا يزالون يقاتلون ما بقي التابوت بأيديهم لم يغلبهم عليه عدوهم ، ومن هنا وهم يتحفزون للقتال جعل الله تعالى لهم إتيان (١) التابوت آية على تمليك طالوت عليهم وفي نفس الوقت يحملونه معهم في قتالهم فتسكن (٢) به قلوبهم وتهدأ نفوسهم فيقاتلون وينتصرون بإذن الله تعالى ، (أما كيفية حمل الملائكة للتابوت فإن الأخبار تقول إن العمالقة تشائموا بالتابوت عندهم إذ ابتلوا بمرض البواسير وبآفات زراعية وغيرها ففكروا في أن يردوا هذا التابوت لبني إسرائيل وساق الله أقدارا لأقدار ، فجعلوه في عربة يجرها بقرتان أو فرسان ووجهوها إلى جهة منازل بني اسرائيل فمشت العربة فساقتها (٣) الملائكة حتى وصلت بها إلى منازل بني
__________________
(١) نسبة الإتيان إلى التابوت أسلوب عربي نحو (عزم الأمر). و (جدار يريد أن ينقضّ) وال في التابوت للعهد فهو معروف لهم معهود عندهم ، وقيل طوله ثلاثة أذرع وعرضه ذراعان وهو من خشب تعمل منه الأمشاط يقال له الشمشار وعليه صفائح الذهب.
(٢) السكينة قال فيها مجاهد إنها حيوان كالهرّ له جناحان وذنب ولعينيه شعاع إلى آخر ما قال والصحيح ما في التفسير ويؤيده قول ابن عطية إذ قال : والصحيح أنّ التابوت كانت فيه أشياء فاضلة من بقايا الأنبياء وآثارهم فكانت النفوس تسكن إلى ذلك وتأنس به وتقوى إلا أنه صحّ عن نبينا صلىاللهعليهوسلم أنّ السكينة تكون ملكا كما في حديث مسلم إذ كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوط فغشيته سحابه فجعلت تدور وتدنو وجعل الفرس ينفر منها فلما أصبح أخبر الرسول صلىاللهعليهوسلم بذلك فقال : «تلك السكينة نزلت للقرآن» وتكون السكينة بمعناها وهو السكون كما في حديث مسلم : «إلّا نزلت عليهم السكينة ، وحفّتهم الملائكة ..» الحديث.
(٣) هكذا تقول الروايات على أن حمل الملائكة كان يدفع العربة والسير بها إلى ديار بني اسرائيل ولا مانع من حمل الآية على ظاهرها وهو أن الملائكة أخذت التابوت وحملته إلى بني اسرائيل وهو الظاهر.