معنى الآية الكريمة :
لما حث تعالى على الصدقات ، وحرم الربا ، ودعا إلى العفو على المعسر ، والتصدّق عليه بإسقاط الدين الأمر الذي قد يتبادر الى الذهن أنّ المال لا شأن له ولا قيمة في الحياة فجاءت هذه الآية ، آية الدين الكريمة لتعطي للمال حقّه ، وترفع من شأنه فإنه قوام الحياة فقررت واجب الحفاظ عليه ، وذلك بكتابة الديون ، والإشهاد عليها بمن ترضى عدالتهم ، وكون الشهود رجلين مسلمين حرّين ، فإن انعدم رجل من الاثنين قامت إمرأتان (١) مقامه ، واستحث (٢) الله تعالى من يحسن الكتابة أن يكتب إذا كان في سعة من أمره ، وحرم على الشهود إذا ما دعوا لأداء الشهادة أن يتخّلوا عنها ، وحرم على المتداينين أن لا يكتبوا ديونهم ولو كانت صغيرة قليلة فقال تعالى : (وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ) ورخص تعالى رحمة منه في عدم كتابة التجارة الحاضرة التي يدفع فيها السلعة في المجلس ، ويقبض الثمن فيه فقال : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها ..) وأمر بالإشهاد على البيع فقال : (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ ..) ونهى عن الإضرار بالكاتب ، أو الشهيد ، بأن يلزم الكاتب أن يكتب إذا كان في شغله ، أو الشاهد بأن يطلب منه أن يشهد وهو كذلك في شغله ، أو أن يدعى الى مسافات بعيدة تشقّ عليه إذ أمره تطوع ، وفعل خير لا غير فليطلب كاتب وشاهد غيرهما إذا تعذر ذلك منهما لانشغالهما. وحذّر من كتمان الشهادة أو الحيف والجور في الكتابة ، والإضرار بالكاتب والشهيد فقال : (وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ..) وأكّد ذلك بأمره بتقواه فقال : (وَاتَّقُوا اللهَ ..) بامتثال أمره ، ونهيه لتكملوا وتسعدوا وكما علمكم هذا العلم النافع ما زال يعلمكم وهو بكل شيء عليم. هذا معنى الآية الكريمة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ...)
هداية الآية
من هداية الآية :
١ ـ وجوب كتابة الديون سواء كانت بيعا ، أو شراء ، أو سلفا ، أو قرضا هذا ما قرره ابن جرير ،
__________________
(١) الجمهور على أن اليمين تقوم مقام شاهد أي ان انعدم الشاهد الثاني قضي القاضي بالشاهد واليمين التي يحلفها المطالب بالبيّنة ومن هنا إن وجد من الشهود امرأتان فقط اعتبرنا شاهدا وزيدت اليمين وقضى القاضي بذلك ، وهذا في الأموال خاصة.
(٢) نعم إذا كان في سعة من أمره فليكتب على سبيل الندب ، وإن لم يوجد غيره وجب عليه أن يكتب وفي قوله : (كَما عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ) أمر له أن يكتب الوثائق على طريقتها فلا يبدّل ولا يغيّر وفيه تذكير له بالنعمة إذ كان لا يعرف الكتابة فعلمه الله إذا فليشكر لله هذه النعمة بالكتابة لمن طلبها منه.