معنى الآيات :
ما زال السياق في أهل الكتاب (١) وإن تناولت غيرهم ممن ارتد عن الإسلام من بعض الأنصار ثم عاد إلى الإسلام فأسلم وحسن إسلامه ففي كل هؤلاء يقول تعالى : (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ) فقد كفر اليهود بعيسى عليهالسلام ، وشهدوا أن الرسول محمدا حق وجاءتهم الحجج والبراهين على صدق نبوته وصحة ما جاء به من الدين الحق ، والله حسب سنته في خلقه لا يهدي من أسرف في الظلم وتجاوز الحد فيه فأصبح الظلم طبعا من طباعه فلهذا كانت هداية من هذه حاله مستبعدة للغاية ، وإن لم تكن مستحيلة ثم أخبر تعالى عنهم متوعدا لهم فقال : (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خالِدِينَ فِيها) أي في تلك اللعنة الموجبة لهم عذاب النار (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) أي ولا يمهلون ليعتذروا ، أولا يخفف عنهم العذاب. ثم لما لم تكن توبتهم مستحيلة ولأن الله تعالى يحب توبة عباده ويقبلها منهم قال تعالى فاتحا باب رحمته لعباده مهما كانت ذنوبهم (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا (٢) مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) الكفر والظلم ، (وَأَصْلَحُوا) نفوسهم بالإيمان صالح الأعمال (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فكان هذا كالوعد منه سبحانه وتعالى بأن يغفر لهم ذنوبهم ويرحمهم بدخول الجنة.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ التوغل في الشر والفساد أو الظلم والكفر قد يمنع (٣) العبد من التوبة. ولذا وجب على العبد إذا أذنب ذنبا أن يتوب منه فورا ، ولا يواصله مصرا عليه خشية ان يحال بينه وبين التوبة.
٢ ـ التوبة مقبولة متى قامت على أسسها واستوفت شروطها ومن ذلك الإقلاع عن الذنب فورا ، والندم على ارتكابه ، والاستغفار والعزم على عدم العودة إلى الذنب الذي تاب منه ، وإصلاح ما أفسده مما يمكن إصلاحه.
__________________
(١) روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ الآية نزلت في رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك ثمّ راسل قومه : ليسألوا له رسول الله صلىاللهعليهوسلم هل له توبة فجاء قومه وسألوا له فأنزل الله هذه الآية (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً) إلى (غَفُورٌ رَحِيمٌ) والآية تتناول اليهود من باب أولى وتنطبق عليهم تماما فتشمل من تاب منهم ومن لم يتب على حدّ سواء.
(٢) روى ابن كثير والقرطبي أن الحارث بن سويد أخا الجلاس بن سويد الأنصاري قد ارتد بعد اسلامه مع اثني عشر رجلا والتحقوا بمكة ثم تاب الحارث فأسلم وحسن إسلامه.
(٣) أورد هنا القرطبي سؤالا وهو : أن ظاهر الآية (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) دال على أنّ من كفر بعد اسلامه لا يهده الله وكثيرا من الظالمين تابوا من الظلم؟ وأجاب بقوله إنّ معنى لا يهديهم ما داموا مقيمين على كفرهم وظلمهم ولا يقبلون على الإسلام فأمّا إن أسلموا وتابوا فقد وفقهم الله لذلك والله أعلم. ه كلامه.