(وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) : سيدخلون سعيرا نارا مستعرة يشوون فيها ويحرقون بها.
معنى الآيات :
لقد كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الأطفال بحجة أن الطفل كالمرأة لا تركب فرسا ولا تحمل كلّا ولا تنكى عدوا ، يكسب (١) ولا تكسب ، وحدث أن امرأة يقال لها أم كحّة مات زوجها وترك لها بنتين فمنعهما أخو الهالك من الإرث فشكت ام كحة الى (٢) رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت هذه الآية الكريمة : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ ، وَالْأَقْرَبُونَ ، وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) ومن ثم اصبحت المرأة كالطفل الصغير يرثان كالرجال ، وقوله تعالى : مما قل منه اى من المال المتروك او كثر حال كون ذلك نصيبا مفروضا لا بد من اعطائه الوارث ذكرا كان أو أنثى صغيرا أو كبيرا. والمراد من الوالدين الأب والأم ، والأقربون (٣) كالأبناء والإخوان والبنات والاخوات ، والزوج والزوجات هذا ما تضمنته (٤) الآية الأولى (٧) وأما الآية الثانية (٨) فقد تضمنت فضيلة جميلة غفل عنها المؤمنون وهى أن من البر والصلة والمعروف إذا هلك هالك ، وقدمت تركته للقسمة بين الورثة ، وحضر قريب غير وارث لحجبه أو بعده أو حضر يتيم أو مسكين من المعروف ان يعطوا شيئا من تلك التركة قبل قسمتها وان تعذر العطاء لأن الورثة يتامى أو غير عقلاء يصرف أولئك الراغبون من قريب ويتيم ومسكين بكلمة طيبة كاعتذار جميل تطيب به نفوسهم هذا ما تضمنته الآية الثانية وهي قوله تعالى : (وَإِذا حَضَرَ (٥) الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) ـ أي من المال ـ المتروك وقولوا لهم قولا معروفا إن تعذر إعطاؤهم لمانع يتم أو عقل. أما الآية الثالثة
__________________
(١) يكسب أي الرجل ولا تكسب أي المرأة.
(٢) فقال صلىاللهعليهوسلم : «انصرفا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهن» فأنزل الله تعالى هذه الآية ردّا عليهم وإبطالا لقولهم وتصرّفهم الجاهلي ، إذ المفروض أن الصغير والمرأة أولى بالإرث لحاجتهما وخوفهما.
(٣) لفظ الأقربون مجمل ومن هنا أرسل النبي صلىاللهعليهوسلم إلى سويد وعرفجة «ألّا يفرقا من مال أوس شيئا فإن الله جعل لبناته نصيبا ولم يبيّن كم هو حتى أنظر ما ينزل ربّنا فنزلت : (يُوصِيكُمُ اللهُ) الآية فأرسل إليهما : أن اعطيا أم محة الثمن مما ترك أوس.
ولبناته الثلثين ولكما بقية المال».
(٤) قوله تعالى : (مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) اختلف أهل العلم في الشيء يتركه المورث وهو لا يقبل القسمة كالدّار الصغيرة ، والجوهرة الواحدة ، وما إلى ذلك. فذهب بعض إلى أنه لا بد من القسمة ، وذهب آخرون ـ وهو الحق إن شاء الله تعالى ـ أنّ مالا يقبل القسمة لفساده يباع ويقسم ثمنه على الورثة ولا شفعة فيه لأنّه لا تتأتى فيه الحدود والشفعة فيما يقسم وتوقع فيه الحدود ، وهذا ليس كذلك لتعذّر قسمته ، ويشهد لهذا الرأي حديث الدار قطني ونصه : لا تعضية (أي لا تفرقه) على أهل الميراث إلّا ما حمل القسم فقرر صلىاللهعليهوسلم أن مالا يقبل القسم لا يجوز تعصيته أي تفريقه على الورثة لأنه يفسد بالقسمة فتعيّن أن يباع ويقسم ثمنه.
(٥) الجمهور على أن هذه الآية منسوخة بآية (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) الآية وقال ابن عباس إنها محكمة ، وعلى أنها غير منسوخة شرحناها في التفسير فليتأمّل.