الجزء السّادس
(لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً (١٤٨) إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (١٤٩))
شرح الكلمات :
(بِالسُّوءِ) (١) : ما يسوء إلى من قيل فيه أو فعل به.
(سَمِيعاً عَلِيماً) : سميعا للأقوال عليما بالأعمال.
(إِنْ تُبْدُوا) : تظهروا ولا تخفوا.
(تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ) : أي لا تؤاخذوا به.
معنى الآيتين :
يخبر تعالى أنه لا يحب الجهر بالسوء ، ولازم هذا أن عباده المؤمنين يجب أن يكرهوا ما يكره ربهم ويحبوا ما يحب وهذا شرط الولاية وهي الموافقة وعدم المخالفة ، ولما حرم تعالى على عباده الجهر بالسوء بأبلغ عبارة وأجمل أسلوب ، استثنى المظلوم فإن له أن يجهر (٢) بمظلمته لدى الحاكم ليرفع عنه الظلم فقال تعالى : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ (٣) الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ (٤) ظُلِمَ وَكانَ اللهُ ـ (وما زال) ـ سَمِيعاً عَلِيماً) ألا فليتق فلا يعصى بفعل السوء ولا بقوله.
ثم انتدب عباده المؤمنين الى فعل الخير في السر أو العلن ، وإلى العفو عن صاحب السوء فقال : (إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ (٥) سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً) فسيكسب فاعل الخير خيرا أبداه أو أخفاه وسيعفو عن صاحب العفو حينما تزل قدمه فيجني بيده أو بلسانه ما يستوجب به المؤاخذة فيشكر الله تعالى له عفوه السابق فيعفو عنه وكان الله (عَفُوًّا قَدِيراً).
__________________
(١) كالسّبّ ، والشتم ، والغيبة ، والنميمة ، والدعاء بالشرّ وألفاظ البذاءة وكلمات الفحش.
(٢) روى ابن جرير عن مجاهد أنّ رجلا استضاف قوما فلم يضيفوه ـ أي طلب منهم أن يطعموه فاشتكاهم فعوتب عليه فنزلت هذه الآية : (لا يُحِبُّ ..) الخ ودلّت على أنّ إطعام الضيف وإيوائه ليلة واجب لقوله صلىاللهعليهوسلم : «ليلة الضيف واجبة» رواه أحمد
(٣) (مِنَ الْقَوْلِ) : في محل نصب على الحال.
(٤) في الآية دليل على جواز الدعاء على الظالم ممن ظلمه وجواز ردّ الشتم والسبّ بمثله إلّا أنّ ترك ذلك أفضل.
(٥) شاهده من السنة قوله صلىاللهعليهوسلم في الحديث الصحيح : «ما نقص مال من صدقة ولا زاد الله عبدا بعفو إلّا عزّا ، ومن تواضع لله رفعه».