(وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ) : أي جبل الطور بسيناء.
(ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) : أي راكعين متواضعين خاشعين لله شكرا لنعمه عليهم.
(لا تَعْدُوا) (١) : لا تعتدوا أى لا تتجاوزوا ما حد لكم فيه من ترك العمل الى العمل فيه.
(مِيثاقاً غَلِيظاً) : عهدا مؤكدا بالأيمان.
معنى الآيتين :
لما نعى الربّ تعالى على أهل الكتاب قولهم نؤمن ببعض الرسل ونكفر ببعض حيث آمن اليهود بموسى وكفروا بعيسى وآمن النصارى بعيسى وكفروا بمحمد صلىاللهعليهوسلم كما كفر به اليهود أيضا ذكر تعالى لرسوله أن اليهود إذا سألوك أن تنزل عليهم (٢) كتابا من السماء فلا تعجب من قولهم ولا تحفل به إذ هذه سنتهم وهذا دأبهم ، فإنهم قد سألوا موسى قبلك أعظم من هذا فقالوا له أرنا الله جهرة فأغضبوا الله تعالى فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون واتخذوا العجل إلها يعبدونه في غياب موسى عليهم ، وكان ذلك منهم بعد مشاهداتهم البيّنات حيث فلق الله لهم البحر وأنجاهم وأغرق عدوهم ومع هذا فقد عفا الله عنهم ، وآتى نبيهم سلطانا مبينا ، ولم يؤثر ذلك في طباعهم هذا ما تضمنته الآية الأولى (١٥٣) وهى قوله تعالى (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً (٣) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ (٤) ثُمَّ اتَّخَذُوا (٥) الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً). أما الآية الثانية (١٥٤) فقد أخبر تعالى أنه رفع فوقهم الطور تهديدا لهم ووعيدا وذلك لما امتنعوا ان يتعهدوا بالعمل بما في التوراة ، فلما رفع الجبل فوقهم خافوا فتعهدوا معطين بذلك ميثاقا غير أنهم نقضوه كما سيأتي الإخبار بذلك. هذا
__________________
(١) قرأ ورش لا تعدّوا بتشديد الدّال وهو من إدغام التاء في الدّال لتقاربهما في المخرج والأصل لا تعتدوا من الاعتداء الذي هو العدوان.
(٢) ذكر القرطبي بغير إسناد أن اليهود سألت النبي صلىاللهعليهوسلم أن يصعد إلى السماء وهم يرونه فينزل عليهم كتابا مكتوبا فيما يدّعيه على صدقه دفعة واحدة ، كما أتى موسى بالألواح تعّنتا منهم فأنزل الله تعالى الآية.
(٣) (جَهْرَةً) نعت لمصدر محذوف تقديره : رؤية جهرة ، ويصح أن يكون حالا أي مجاهرة بلا حجاب ساتر.
(٤) (بِظُلْمِهِمْ) الباء سببية أي : سبب ظلمهم ، وليس المراد من ظلمهم طلب رؤية الله تعالى إذ هذا طلبه موسى أيضا ، ولكن ظلمهم : كونهم اشترطوا لإيمانهم بموسى حتى يريهم الله جهرة.
(٥) العطف بثم هنا هو للتراخي الرتبي لا لإفادة الترتيب الزمني ، إذ اتخاذهم العجل كان قبل طلبهم رؤية الله جهرة ، إذ المراد من البينات التي جاءتهم : انفلاق البحر ، وقبله آية العصا وغيرها من التسع آيات التي آتى الله موسى عليهالسلام.