والكفر والمعاصي ليس بخارج من تلك الظلمات وهو أبو جهل (١) والجواب لا ، إذا كيف أطاع المشركون أبا جهل وعصوا عمر رضى الله عنه والجواب : أن الكافرين لظلمة نفوسهم واتباع أهوائهم لا عقول لهم زين لهم عملهم الباطل حسب سنة الله تعالى في أن من أحب شيئا وغالى في حبه على غير هدى ولا بصيرة يصبح في نظره زينا وهو شين وحسنا وهو قبيح ، فلذا قال تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها (٢) لِيَمْكُرُوا فِيها) فيهلكوا أيضا. وقوله : (وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ) هو كما قال : قوله الحق وله الملك ، فالماكر من أكابر المجرمين حيث أفسدوا عقائد الناس وأخلاقهم وصرفوهم عن الهدى بزخرف القول والاحتيال والخداع ، هم في الواقع يمكرون بأنفسهم إذ سوف تحل بهم العقوبة في الدنيا وفي الآخرة ، إذ لا يحيق المكر الشيء إلا بأهله ولكنهم لا يشعرون أي لا يدرون (٣) ولا يعلمون أنهم يمكرون بأنفسهم ، وقوله تعالى في الآية الثالثة (١٢٤) (وَإِذا (٤) جاءَتْهُمْ آيَةٌ ..) (٣) أي حجة عقلية مما تحمله آيات القرآن تدعوهم إلى تصديق الرسول والإيمان بما جاء به ويدعو إليه من التوحيد بدل أن يؤمنوا (قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى (٥) مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ) أي من المعجزات كعصا موسى وطير عيسى الذي نفخ فيه فكان طائرا بإذن الله فرد الله تعالى عليهم هذا العلو والتكبر قائلا : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) فإنه يجعلها في القلوب المشرقة والنفوس الزكية ، لا في القلوب المظلمة والنفوس الخبيثة ، وقوله تعالى (سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) على أنفسهم بالشرك والمعاصي وعلى غيرهم حيث أفسدوا قلوبهم وعقولهم ، (صَغارٌ) (٦) : أي ذل وهوان (عِنْدَ اللهِ) يوم يلقونه (وَعَذابٌ شَدِيدٌ) قاس لا يطاق (بِما كانُوا يَمْكُرُونَ) : أي بالناس بتضليلهم وإفساد قلوبهم وعقولهم بالشرك والمعاصي التي كانوا
__________________
(١) الآية عامة في كل كافر ومؤمن والموت قد يطلق أيضا على الجهل. فالجاهل ميت وحياته بالعلم كما قال الشاعر :
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله |
|
فأجسامهم قبل القبور قبور |
وإن امرؤا لم يحيى بالعلم ميت |
|
فليس له حتى النشور نشور |
(٢) في الآية تقديم وتأخير. الأصل جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها والأكابر جمع أكبر وهم الرؤساء والعظماء وخصوا بالذكر لأنهم أقدر على الفساد والإفساد من عامة الناس.
(٣) وذلك لفرط جهلهم لا يعلمون أن وبال مكرهم عائد عليهم.
(٤) في الآية شيء من بيان جهلهم وعملهم.
(٥) هذه مقالة بعضهم قال الوليد بن المغيرة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : لو كانت النبوة حقا لكنت أولى بها منك لأني أكبر سنا وأكثر منك مالا. وقال أبو جهل : والله لا نرضى به أبدا ولا نتبعه إلّا أن يأتينا وحي كما يأتيه.
(٦) الصغار من الصغر ضد الكبر كأن الذل يصغر إلى المرء نفسه والفعل صغر يصغر من باب نصر ، وصغر يصغر من باب علم يعلم. والمصدر الصغر بفتح الصاد والغين معا والصغار الاسم واسم الفاعل صاغر وهو الراضي بالضيم.