وَالْأَنْصابُ (١) وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ) أي سخط وقذر مما يدعو إليه الشيطان ويزيّنه للنفوس ويحسنه لها لترغب فيه ، وهو يهدف من وراء ذلك إلى إثارة العداوة والبغضاء بين المسلمين الذين هم كالجسم الواحد. وإلى صدهم عن ذكر الله الذي هو عصمتهم وعن الصلاة التي هي معراجهم إلى الله ربهم ، وآمرتهم بالمعروف وناهيتهم عن المنكر ، ثم أمرهم بأبلغ أمر وأنفذه إلى قلوبهم لخطورة هذه المحرمات الأربع وعظيم أثرها في الفرد والمجتمع بالشر والفساد فقال : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٢)؟!) وأمرهم بطاعته وطاعة رسوله وحذرهم من مغبة المعصية وآثارها السيئة فقال (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا) مغبة ذلك ثم أعلمهم أنّهم إن تولوا عن الحق بعد ما عرفوه فالرسول لا يضيره توليهم إذ ما عليه إلا البلاغ المبين وقد بلّغ وأما هم فإن جزاءهم على توليهم سيكون جزاء الكافرين وهو الخلود في العذاب المهين. هذا معنى قوله : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا (٣) أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) وقوله تعالى في الآية الأخيرة (٩٣) (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا (٤) وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) فقد نزلت لقول بعض الأصحاب (٥) لرسول الله صلىاللهعليهوسلم (يا رسول الله ما بال الذين ماتوا من إخواننا وهم يشربون الخمر ويلعبون الميسر؟) أي كيف حالهم فهل يؤاخذون أو يعفى عنهم فأنزل الله تعالى هذه الآية فأعلم أنهم ليس عليهم جناج أي إثم أو مؤاخذة فيما شربوا وأكلوا قبل نزول التحريم بشرط أن يكونوا قد اتقوا الله في محارمه وآمنوا به وبشرائعه ، وعملوا الصالحات استجابة لأمره وتقربا إليه. فكان رفع الحرج عليهم مقيدا بما ذكر. وقوله : (ثُمَّ اتَّقَوْا ...) كما لا (٦) جناح على الأحياء فيما طعموا وشربوا قبل التحريم
__________________
(١) ذكر الأنصاب والأزلام مع الخمر والميسر المقصود منه تأكيد التحريم وتقويته نظرا لما ألفته النفوس منهما ، والمراد من تحريم الأنصاب تحريم عبادتها وصنعها ، وبيعها.
(٢) هذه الصيغة تستعمل للحث على الفعل إذا المأمور بدا عليه التراخي أو عدم الاهتمام مما أمر بفعله أو تركه. والفاء في (فَهَلْ أَنْتُمْ) تفريع عن قوله : (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ.). الآية ، والمأمور بالانتهاء عنه هو الخمر والميسر فلذا يقدّر عنهما بعد (مُنْتَهُونَ).
(٣) (فَاعْلَمُوا) جواب الشرط أي فإن توليتم عن طاعة الله والرسول فاعلموا أن توليكم لا يضر الرسول شيئا إنما على الرسول البلاغ وقد بلّغكم.
(٤) جملة : (ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا) تأكيد لفظي لجملة : (إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ).
(٥) يروى أن القائل : أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو سؤال اشفاق ورحمة على من مات وهو يشرب هذا المحرم.
(٦) الجناح ، الإثم المترتب عن الجنح الذي هو الميل إلى المعصية وعدم الطاعة.