ذا قُرْبى ، وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ففي هذه الآية جاء تحريم أربعة أمور هي : أكل مال اليتيم ، والتطفيف في الوزن ، والجور في الأقوال والأحكام ، ونكث العهد. فقوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ) أي بما ينقصه أو يفسده إلا بالحالة التي هي أحسن له نماء وحفظا وقوله (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) بيان لزمن اليتم وهو من ولادته وموت والده إلى أن يبلغ زمن الأشد وهو البلوغ ، والبلوغ يعرف بالاحتلام أو نبات شعر العانة ، وفي الجارية بالحيض أو الحمل ، وببلوغ الثامنة عشرة من العمر وعلى شرط أن يبلغ اليتيم (١) عاقلا فإن كان غير عاقل يبقى في كفالة كافله ، وقوله تعالى : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ (٢) وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) أمر بتوفية الكيل والوزن ، والأمر بالشيء نهي عن ضده ، وبذا حرم بخس الكيل والوزن والتطفيف فيهما وقوله (بِالْقِسْطِ) أي بالعدل بحيث لا يزيد ولا ينقص ، وقوله (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) أي طاقتها رفعا للحرج عن المسلم في الكيل والوزن إذا هو نقص أو زاد بغير عمد ولا تساهل.
وقوله تعالى (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا (٣) وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) هذا المحرم الثالث وهو قول الزور وشهادة الزور ، إذ الأمر بالعدل في القول ولو كان المقول له أو فيه قريبا نهى عن ضده وهو الجور في القول.
وقوله تعالى (وَبِعَهْدِ (٤) اللهِ أَوْفُوا) متضمن للمحرم الرابع وهو نكث العهد وخلف الوعد ، إذ الأمر بالوفاء بالعهود نهي عن نكثها وعدم الوفاء بها ، وقوله تعالى (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) إشارة إلى ما تضمنته هذه الآية الثانية مما حرم تعالى على عباده ، وقوله (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي ليعدكم بذلك لأن تذكروا فتتعظوا فتجتنبوا ما حرم عليكم. وقوله تعالى : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) هذه هي الآية الثالثة من آيات الوصايا العشر (٥) وقد تضمنت
__________________
(١) لأن الرشد لا يكون إلا مع العقل والله يقول فإن آنستم منهم رشدا والرشد مقابل السفه وهو إساءة التصرف فيما اسند إليه من مال وغيره.
(٢) ورد في التطفيف وعيد شديد قال تعالى ويل للمطففين ، وقال الرسول صلىاللهعليهوسلم «ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع عنهم الرزق».
(٣) الأمر بالعدل في القول يتناول الأحكام والشهادات.
(٤) هذا الوفاء عام في كل ما عهد الله تعالى به إلى عباده من سائر الفرائض والواجبات وسائر التكاليف كما يتضمن العهود التي تكون بين الإنسان وأخيه الإنسان.
(٥) هذه الوصايا العشر موجودة في أول التوراة ومع الأسف أضاعها اليهود لشقائهم.