(يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ) : أي كل من أهل الجنة وأهل النار بعلاماتهم.
(صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ) : أي نظروا إلى الجهة التي فيها أصحاب النار.
معنى الآيات :
ما زال السياق في الحديث عن أصحاب الجنة وأصحاب النار فيخبر تعالى أن أصحاب الجنة نادوا أصحاب النار قائلين لهم إنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا به من الجنة ونعيمها حقا ، فهل (١) وجدتم أنتم ما وعدكم ربكم من النار وعذابها حقا؟ فأجابوهم : نعم (٢) إنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ، وهنا أذن مؤذن قائلا : لعنة (٣) الله على الظالمين الذي يصدون عن سبيل الله التي هي الإسلام الموصل إلى رضا الله تعالى والجنة ، ويبغونها عوجا أي يريدون سبيل الله معوجة تدور معهم حيث داروا في شرورهم ومفاسدهم ، وشهواتهم وأهوائهم ، وهم بالآخرة كافرون أيضا فهؤلاء يلعنونهم : لعنة الله على الظالمين الذين تلك صفاتهم قال تعالى في الآية الثالثة : (وَبَيْنَهُما) أي بين أهل الجنة وأهل النار (حِجابٌ) فاصل أي حاجز وهو مكان على مرتفع ، وعليه رجال من بني آدم استوت سيئاتهم وحسناتهم فحسبوا هناك حتى يقضي بين أهل الموقف فيحكم فيهم بدخولهم الجنة إن شاء الله تعالى.
وقوله : (يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ) أي يعرفون أهل الجنة بسيماهم وهي بياض الوجوه ونضرة النعيم ، ويعرفون أهل النار بسواد الوجوه وزرقة العيون.
(وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ) أي نادى أصحاب الأعراف أصحاب الجنة قائلين : سلام عليكم يتطمعون بذلك كما قال تعالى (لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ. وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ (٤) أَصْحابِ النَّارِ) أي نظروا إلى جهة أهل النار فرأوا أهلها مسودة وجوههم زرق أعينهم يكتنفهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، رفعوا أصواتهم قائلين : (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي أهل النار لأنهم دخلوها بظلمهم والعياذ بالله.
__________________
(١) هذا سؤال توبيخ وتعيير لا استفهام واستخبار.
(٢) في نعم لغات : فتح النون والعين نعم وكسر العين للفرق بينها وبين النعم التي هي الإبل والبقر والغنم ، وهي حرف إجابة وتكون للعدة والتصديق فمثال العدة نحو : أيقوم زيد؟ فتقول : نعم أي تعده بقيامه ومثال التصديق قولك : هل جاء زيد؟ فتقول : نعم فتصدقه في مجيئه.
(٣) يروى أن طاووسا دخل على هشام بن عبد الملك فقال له : اتق الله واحذر يوم الأذان فقال : وما يوم الأذان؟ قال : قوله تعالى : (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) فصعق هشام فقال طاووس : هذا ذلّ الصفة فكيف ذل المعاينة.
(٤) قال أهل اللغة : لم يأت مصدر على تفعال سوى حرفين : تلقاء وتبيان. وما عداهما فبالفتح نحو تسيار وتذكار وتهمام ، أما الأسماء فكثيرة نحو تمثال ومفتاح ومصباح ومعراج.