الأبدان ورخاء العيش حتى إذا آمنوا مكره تعالى بهم أخذهم بغتة.
أولم يهد لهم : أي أو لم يبين لهم بمعنى يتبين لهم.
(بِذُنُوبِهِمْ) : أي بسبب ذنوبهم.
معنى الآيات :
بعد ما بين تعالى سنته في الأمم السابقة ، وهي أخذ الأمة بعد تكذيبها وعصيانها بالبأساء والضراء ، ثم إذا هي لم تتب واستمرت على كفرها وعصيانها أغدق عليها الخيرات حتى عفت بكثرة مالها وصلاح حالها أخذها بغتة فأهلكها ، وتم خسرانها في الدارين ، فتح تعالى باب التوبة والرجاء لعباده فقال : (وَلَوْ (١) أَنَّ أَهْلَ الْقُرى) (٢) المكذبين ككفار مكة والطائف وغيرهما من المدن (آمَنُوا) أي بالله ورسوله وبلقاء الله ووعده ووعيده ، (وَاتَّقَوْا) الله تعالى في الشرك وفي معصيته ومعصية رسوله لفتح عليهم أبواب السماء بالرحمات والبركات ، وفتح عليهم كنوز الأرض ورزقهم من الطيبات ولكن أهل القرى الأولين كذبوا فأخذهم بالعذاب بما كانوا يكسبون ، وأهل القرى اليوم وهم مكذبون فإما أن يعتبروا بما أصاب أهل القرى الأولين فيؤمنوا ويوحدوا ويطيعوا ، وإما أن يصروا على الشرك والتكذيب فينزل بهم ما نزل بمن قبلهم من عذاب الإبادة والاستئصال ، هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٩٦) وهي قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ) (٣) (مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) أما الآيات الثلاث بعدها فإن الله تعالى ينكر على أهل القرى غفلتهم موبخا لهم على تماديهم وإصرارهم على الباطل معجبا من حالهم فيقول : (أَفَأَمِنَ (٤) أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ؟) أي أجهلوا ما نزل بمن قبلهم فأمنوا أن
__________________
(١) لو : حرف امتناع لا متناع ، امتنع شرطها فامتنع جوابها ، وشرطها هنا : الإيمان والتقوى وجوابها فتح البركات على أهل القرى.
(٢) يقال للمدينة : قرية لاجتماع الناس فيها مأخوذ من التقرّى الذي هو التجمع يقال : قريت الماء في الحوض : إذا جمعته ، وسمي القرآن قرآنا لاجتماع الحروف والكلمات والجمل والآيات فيه.
(٣) البركات : جمع بركة ، وهي الخير الدائم الصالح الذي لا تبعة فيه في الدنيا ولا في الآخرة. وتكون في العمر والمال وفي كل ما هو خير ونافع غير ضار للإنسان.
(٤) الاستفهام للانكار والتعجب معا ، ومكر الله تعالى : إمهالهم وإغداق الخير عليهم مع شركهم وكفرهم ، إذ المكر : أن يظهر المرء الإحسان لمن يمكر به ليأخذه فجأة. والأمن من مكر الله تعالى زيادة على أنه كبيرة من كبائر الذنوب فإنه يؤدي بالآمن إلى هلاكه دنيا وأخرى.