إلى الدنيا لا يعمل إلا به. ليصل الى ما كتب عليه ، وقدر له أزلا قبل خلق السموات والأرض ، وقوله تعالى (وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ) (١) أي لم نجد لتلك الأمم التي أهلكنا وهم قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب. لم نجد لأكثرهم وفاء بعهدهم الذي أخذناه عليهم قبل خلقهم من الإيمان بنا وعبادتنا وطاعتنا وطاعة رسلنا ، وما وجدنا (٢) أكثرهم إلا فاسقين عن أمرنا خارجين عن طاعتنا وطاعة رسلنا ، وكذلك أحللنا بهم نقمتنا وأنزلنا بهم عذابنا فأهلكناهم أجمعين.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين :
١ ـ تقرير الوحي الإلهي وإثبات نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، لأنه ما قصّ من أنباء الأولين لا يتلقّى إلا بوحي إلهي ولا يتلقى عن الله تعالى إلا رسول أعدّ لذلك.
٢ ـ وجود البينات مهما كانت قوية واضحة غير كاف في إيمان من لم يشأ الله هدايته.
٣ ـ المؤمن من آمن في الأزل ، والكافر من كفر فيه.
٤ ـ الطبع على قلوب الكافرين سببه اختيارهم للكفر والشر والفساد وإصرارهم على ذلك كيفما كانت الحال.
(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٠٣) وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٤) حَقِيقٌ (٣) عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٠٥) قالَ إِنْ كُنْتَ
__________________
(١) (مِنْ عَهْدٍ) من زائدة لتقوية النفي والدلالة على الجنس أي : جنس العهد ، والعهد من الجائز أن يكون ما أخذ عليهم في عالم الذرّ وهو صحيح قاله ابن عباس وأن يكون ما أخذ عليهم من قبل الأنبياء أن يعبدوا الله وحده ويطيعوه ولا يعصوه.
(٢) الآية : (وَإِنْ وَجَدْنا) وإن : بمعنى ما النافية فلذا اكتفينا في التفسير بما ولم نذكر إن اختصارا وتقريبا للفهم.
(٣) قرأ نافع : (حقيق عليّ) بياء الضمير المشدّدة وهي بمعنى : واجب عليّ خبر ثان لأنّ في قوله : (إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) وقرأ غيره (على) حرف جرّ أي : محقوق بأن لا أقول على الله إلّا الحق ، فحقيق : فعيل بمعنى مفعول كقتيل بمعنى مقتول.