بالشرك مقبحة له ، ولأهله فقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ) (١) أي دعاء عبادة أيها المشركون هم (عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) (٢) أي مملوكون لله ، الله مالكهم كما أنتم مملوكون لله مربوبون. فكيف يصح منكم عبادتهم وهم مملكون مثلكم لا يملكون لكم ولا لأنفسهم نفعا ولا ضرا ، وإن شككتم في صحة هذا فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين في زعمكم أنهم آلهة يستحقون العبادة. إنكم لو دعوتموهم ما استجابوا ، وكيف يستجيبون وهم جماد ولا حياة لهم (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ (٣) يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها ، أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) إنه لا شيء لهم من ذلك فكيف إذا يستجيبون ، وبأي حق يعبدون فيدعون ويرجون وهم فاقدوا آثار القدرة والحياة بالمرة.
ثم أمر الله تعالى رسوله أن يعلن لهم أنه لا يخافهم ولا يعدهم شيئا إذا كانوا هم يعبدونهم ويخافونهم فقال له قل لهؤلاء المشركين (ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ) (٤) أنتم وإياهم (فَلا تُنْظِرُونِ) أي لا تمهلونى ساعة ، وذلك لأن (وَلِيِّيَ (٥) اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ) أي القرآن (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) فهو ينصرني منكم ويحميني من كيدكم إنه ولي ووليّ المؤمنين. أما أنتم (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) أي من دون الله من هذه الأوثان (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) وشيء آخر وهو أنكم (إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا) فضلا عن إن تدعوهم إلى الضلال فكيف تصح عبادة من لا يجيب داعيه في الرخاء ولا في الشدة. وأخيرا يقول تعالى لرسوله صلىاللهعليهوسلم ، (وَتَراهُمْ) أي ترى أولئك الآلهة وهي تماثيل من حجارة (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) (٦) إذا قابلتهم لأن أعينهم مفتوحة دائما ، والحال أنهم لا يبصرون ، وهل تبصر الصور والتماثيل؟.
__________________
(١) تدعون : بمعنى تعبدون لأنّ الدعاء هو العبادة أو تدعون : بمعنى تدعونها عبادة فحذف المفعول ليشمل التعبير المعنيين وهو من بلاغة القرآن.
(٢) أطلق لفظ عباد على الأوثان لأنها مملوكة لله تعالى كعابديها مخلوقة كما هم مخلوقون ، ولما اعتقد المشركون أنّ أصنامهم تنفع وتضر عاملها معاملة العقلاء فقال : عباد أمثالكم وقال : (فَادْعُوهُمْ) بدل فادعوهن.
(٣) اليد والرجل والأذن مؤنثات ولذا يصغّرن بالهاء ويقال : يدية ورجلية وأذنية وشدّدت الهاء من : يدية لأنّ الياء المحذوفة من يد ، ردّت في التصغير.
(٤) أصل كيدون : كيدوني بالياء فحذفت تخفيفا ، والكيد : المكر ، والحرب أيضا يقال : غزا فلم يلق كيدا أي : حربا.
(٥) وليّ الشيء : هو الذي يحفظه ويمنع الضرر عنه وفي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : (ألا إن آل فلان ليسوا لي بأولياء إنّما وليي الله وصالح المؤمنين).
(٦) النظر : فتح العينين إلى المنظور إليه ، وجملة وتراهم مستأنفة وينظرون في محل نصب على الحال ، وجائز أن يكون المراد ب تراهم ينظرون إليك المشركون أنفسهم وكونهم لا يبصرون لأنهم لم ينتفعوا بأبصارهم.