تبقوا منهم غير من فر وهرب ، وقوله (لِيُحِقَّ الْحَقَ) أي لينصره ويقرره وهو الإسلام (وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) وهو الشرك (وَلَوْ كَرِهَ) ذلك (الْمُجْرِمُونَ) أي المشركون الذين أجرموا على أنفسهم فأفسدوها بالشرك ، وعلى غيرهم أيضا حيث منعوهم من قبول الإسلام وصرفوهم عنه بشتى الوسائل.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ تقرير قاعدة (عَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) وذكر نبذة عن غزوة بدر الكبرى وبيان ذلك أن النبي صلىاللهعليهوسلم بلغه أن عيرا لقريش تحمل تجارة قادمة من الشام في طريقها إلى مكة وعلى رأسها أبو سفيان بن حرب فانتدب النبي صلىاللهعليهوسلم بعض أصحابه للخروج إليها عسى الله تعالى أن يغنمهم إياها ، لأن قريشا صادرت أموال بعضهم وبعضهم ترك ماله بمكة وهاجر. فلما خرج النبي صلىاللهعليهوسلم وأثناء مسيره أخبرهم أن الله تعالى وعدهم إحدى الطائفتين ، لا على التعيين جائز أن تكون العير ، وجائز أن تكون النفير الذي خرج من مكة للذب عن العير ودفع الرسول وأصحابه عنها حتى لا يستولوا عليها ، فلما بلغ الرسول نبأ نجاة العير (١) وقدوم النفير استشار أصحابه فوافقوا على قتال المشركين ببدر وكره بعضهم ذلك ، وقالوا : انا لم نستعد للقتال فأنزل الله تعالى هذه الآيات (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ) إلى قوله (... وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ).
٢ ـ بيان ضعف الإنسان في رغبته في كل مالا كلفة فيه ولا مشقة.
٣ ـ إنجاز الله تعالى وعده للمؤمنين إذ أغنمهم طائفة النفير وأعزهم بنصر لم يكونوا مستعدين له.
__________________
(١) لأنّ أبا سفيان لما بلغه بواسطة بعض الركبان أنّ محمدا قد خرج برجاله يطلب عيره استأجر ضمضم الغفاري فبعثه إلى أهل مكة يخبرهم بخروج الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وأمرهم أن ينفروا لإنقاذ قافلتهم ، وأما الرسول صلىاللهعليهوسلم وأصحابه فإنهم لما بلغوا في مسيرهم وادي ذفران وخرجوا منه أتاهم نبأ خروج قريش ليمنعوا قافلتهم فاستشار النبي صلىاللهعليهوسلم أصحابه فقام أبو بكر وقال فأحسن ثم قال عمر فقال فأحسن ، ثم قام المقداد بن عمرو فقال يا رسول الله : امض لما أمرك الله به فنحن معك ، والله لا نقول لك كما قال بنو اسرائيل لموسى : (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون) ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى نبلغه فقال له الرسول صلىاللهعليهوسلم خيرا ودعا له بخير ثم قال : أشيروا عليّ أيها الناس ، وهو يريد الأنصار فقال له سعد بن معاذ : كأنك تعنينا يا رسول الله قال : أجل ، فقال سعد كلمة سرّت النبي صلىاللهعليهوسلم وعندها قال : سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين.