(ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) هو قول الملائكة لمن يتوفونهم من الذين كفروا. أي ذلكم الضرب والتعذيب بسبب ما قدمت أيديكم من الكفر والظلم والشر والفساد وأن الله تعالى ليس بظالم لكم فإنه تعالى لا يظلم أحدا. وقوله تعالى (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ (١) وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي دأب هؤلاء المشركين من كفار قريش في كفرهم وتكذيبهم كدأب آل فرعون والذين من قبلهم (كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ) وكفر هؤلاء فأخذهم الله بذنوبهم ، وقوله (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ) يشهد له فعله بآل فرعون والذين من قبلهم عاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات وأخيرا أخذه تعالى كفار قريش في بدر أخذ العزيز المقتدر ، وقوله تعالى (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ (٢) لَمْ يَكُ (٣) مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) إشارة إلى ما أنزله من عذاب على الأمم المكذبة الكافرة الظالمة ، وإلى بيان سنته في عباده وهي أنه تعالى لم يكن من شأنه أن يغير نعمة أنعمها على قوم كالأمن والرخاء ، أو الطهر والصفاء حتى يغيروا هم ما بأنفسهم بأن يكفروا ويكذبوا ، ويظلموا أو يفسقوا ويفجروا ، وعندئذ يغير تلك النعم بنقم فيحل محل الأمن والرخاء الخوف والغلاء ومحل الطهر والصفاء الخبث والشر والفساد. هذا إن لم يأخذهم بالإبادة الشاملة والاستئصال التام. وقوله تعالى (وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي لأقوال عباده وأفعالهم فلذا يتم الجزاء عادلا لا ظلم فيه. وقوله تعالى (كَدَأْبِ آلِ (٤) فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا (٥) بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ) هذه الآية تشبه الآية السابقة إلا أنها تخالفها فيما يلي : في الأولى الذنب الذي أخذ به الهالكون كان الكفر ، وفي هذه : كان التكذيب ، في الأولى : لم يذكر نوع العذاب ، وفي الثانية انه الإغراق ، في الأولى لم يسجل عليهم سوى الكفر فهو ذنبهم لا غير. وفي الثانية سجل على الكل ذنبا آخر وهو الظلم إذ قال (وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ) أي بكفرهم وتكذيبهم ، وصدهم عن سبيل الله وفسقهم عن طاعة الله ورسوله مع زيادة التأكيد
__________________
(١) الباء في قوله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ) سببية والجملة مسوقة للتعليل.
(٢) (لَمْ يَكُ) أي : لم ينبغ له ، ولم يصحّ منه لبالغ حكمته وعدله ورحمته.
(٣) (كَدَأْبِ) خبر لمبتدأ محذوف تقديره : دأب هؤلاء كدأب آل فرعون ، والدأب : العادة المستمرة.
(٤) (كَذَّبُوا) الخ .. تفسير دأبهم الذي فعلوه من تغييرهم لحالهم.
(٥) وجائز أن يكون المراد : كدأب آل فرعون أي : في تعذيبهم عند قبض أرواحهم ، وفي قبورهم ويوم القيامة.