بن معاذ رضي الله عنهما رغبوا في مفاداة الأسرى بالمال للظروف المعاشية القاسية التي كانوا يعيشونها ، وكانت رغبتهم في الفداء بدون علم من الله تعالى بإحلالها أو تحريمها أما عمر فكان لا يعثر على أسير إلا قتله وأما سعد فقد قال (الاثخان في القتال أولى من استبقاء الرجال) ولما تم الفداء نزلت هذه الآية الكريمة تعاتبهم أشد العتاب فيقول تعالى (ما كانَ لِنَبِيٍ) (١) أي ما صح منه ولا كان ينبغي له أن يكون له أسرى حرب يبقيهم ليفاديهم أو يمن عليهم مجانا (حَتَّى يُثْخِنَ (٢) فِي الْأَرْضِ) أرض العدو قتلا وتشريدا فإذا عرف بالبأس والشدة وهابه الأعداء جاز له الأسر أي الإبقاء على الأسرى أحياء ليمن عليهم بلا مقابل أو ليفاديهم بالمال ، وقوله تعالى (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا) هذا من (٣) عتابه تعالى لهم ، إذ ما فادوا الأسرى إلا لأنهم يريدون حطام الدنيا وهو المال ، وقوله (وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) فشتان ما بين مرادكم ومراد ربكم لكم تريدون العرض الفاني والله يريد لكم النعيم الباقي ، وقوله تعالى (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) أي غالب على أمره ينصر من توكل عليه وفوّض أمره إليه ، حكيم فى تصرفاته فلا يخذل أولياءه وينصر أعداءه فعليكم أيها المؤمنون بطلب مرضاته بترك ما تريدون لما يريد هو سبحانه وتعالى ، وقوله تعالى (لَوْ لا كِتابٌ (٤) مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) أي لو لا أنه مضى علم الله تعالى بحلية الغنائم لهذه الأمة وكتب ذلك في اللوح المحفوظ لكان ينالكم جزاء رضاكم بالمفاداة وأخذ الفدية عذاب عظيم.
وقوله تعالى (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ (٥) حَلالاً طَيِّباً) إذن منه تعالى لأهل بدر أن يأكلوا مما
__________________
(١) هذه الآية نزلت يوم بدر عتابا من الله تعالى لأصحاب نبيّه محمد صلىاللهعليهوسلم إذ لم يثخنوا في قتل المشركين حتى يوجد منهم أسرى رغبوا في مفاداتهم منا بالمال.
(٢) الإثخان في الشيء : المبالغة فيه والإكثار منه والمراد به هنا : المبالغة في قتل المشركين حتى لا يبقى منهم أسير في ساحة المعركة.
(٣) روى مسلم أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال لبعض أصحابه ومن بينهم أبو بكر وعمر (ما ترون في هؤلاء الأسرى؟ فقال أبو بكر يا رسول الله هم بنو العم والعشيرة أرى أن يؤخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار فعسى الله أن يهديهم للإسلام فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما ترى يا ابن الخطاب؟ قال : لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم ، فتمكّن عليا من عقيل فيضرب عنقه وتمكني من فلان فأضرب عنقه فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديده فهوى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت فلما كان من الغد جئت وإذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان .. إلى أن قال : وأنزل الله عزوجل : (ما كانَ لِنَبِيٍ) إلى قوله : (حَلالاً طَيِّباً).
(٤) من ذلك أن الله تعالى لا يعذب قوما حتى يبيّن لهم ما يتقون.
(٥) هذا الإذن واقع بعد تخميس الغنيمة لا على إطلاقه.