(فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ) : أي من المنافقين.
(فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ) : أي المتخلفين عن تبوك من النساء والأطفال وأصحاب الأعذار.
معنى الآيات :
ما زال السياق في الحديث عن المنافقين فقال تعالى مخبرا عنهم (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ) (١) أي سر المتخلفون (بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ (٢) رَسُولِ اللهِ) أي بقعودهم بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم في المدينة (وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) في سبيله ، وكرههم هذا للجهاد هو ثمرة نفاقهم وكفرهم وقولهم (لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ) لأن غزوة تبوك كانت في شدة الحر ، قالوا هذا لبعضهم بعضا وهنا أمر الله تعالى رسوله أن يرد عليهم قولهم هذا فقال (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا) فلماذ لا يتّقونها بالخروج في سبيل الله كما يتقون الحر بعدم الخروج ، وقوله تعالى (لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) أي لما تخلفوا عن الجهاد لأن نار جهنم أشد حرا ، ولكنهم لا يفقهون وقوله تعالى (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً) أي (٣) في هذه الحياة الدنيا بما يحصل لهم من المسرات (وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) أي يوم القيامة لما ينالهم من الحرمان والعذاب ، وذلك كان (جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) من الشر والفساد ، وقوله تعالى لرسوله صلىاللهعليهوسلم (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ) (٤) أي فإن ردك الله سالما من تبوك إلى المدينة إلى طائفة من المنافقين (فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ) معك لغزو وجهاد (فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً ، وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) وعلة ذلك (إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ) (٥) أي من النساء
__________________
(١) (الْمُخَلَّفُونَ) هم المتركون في المدينة تركهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنون لأنهم غير أهل لصحبة رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلذا كره الله انبعاثهم فثبظهم أما هم فإنهم فرحوا بتخلفهم عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لنفاقهم وفسقهم.
(٢) (خِلافَ) لغة في خلف ، واختير لفظ خلاف إشارة إلى أنّ المنافقين يحبّون مخالفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين ، وقعودهم وإن كان بإذن فإنه مخالف لإرادة رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ الرسول صلىاللهعليهوسلم أمر بالنفير العام وجاءوا هم يستأذنون في القعود.
(٣) (فَلْيَضْحَكُوا) أمر ، ومعناه التهديد أي : فليضحكوا في الدنيا قليلا وليبكوا في الآخرة كثيرا ، أو هو أمر بمعنى الخبر وهو صحيح إذ هذا هو حالهم ومنتهى أمرهم.
(٤) قوله : (إِلى طائِفَةٍ) دليل على أن من المتخلفين ما كانوا منافقين ككعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع العامري.
(٥) (الْخالِفِينَ) جمع خالف ، كأنهم خلفوا الخارجين في ديارهم ، واختيار لفظ الخالفين يحمل سبّا لهم وعيبا ، إذ الخالفون النساء ، وخلف الشيء إذا فسد ، ومنه خلوف فم الصائم ، ومنه خلف اللبن : إذا فسد بطول المكث في الإناء ، وفي هذا دليل على أن استصحاب المخذل الفاسد في الغزوات لا يليق.