نزلت في (١) شأن عبد الله بن أبي بن سلول كبير المنافقين وذلك أنه لما مات طلب ولده الحباب الذي سماه رسول الله صلىاللهعليهوسلم عبد الله وقال له الحباب اسم الشيطان وسماه عبد الله جاءه فقال يا رسول الله إن أبي قد مات فأعطني قميصك (٢) أكفنه فيه «رجاء بركته» وصل عليه واستغفر له يا رسول الله فأعطاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم القميص وقال له إذا فرغتم فآذنوني فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر وقال له : أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين فقال بل خيرني فقال استغفر لهم أو لا تستغفر لهم. فصلى عليه فأنزل الله تعالى هذه الآية (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ (٣) ماتَ أَبَداً ، وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) أي لا تتول دفنه والدعاء له بالتثيبت عند المسألة. وعلل تعالى لهذا الحكم بقوله (إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ) ، وقوله (وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ) أي لا تصل (٤) على أحد منهم مات يا رسول الله (وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ) فتصلي عليهم إني إنما أعطيتهم ذلك لا كرامة لهم وإنما لأعذبهم بها في الدنيا بالغموم والهموم (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ) أي ويموتوا (وَهُمْ كافِرُونَ) فسينقلون إلى عذاب أبدي لا يخرجون منه ، وذلك جزاء من كفر بالله ورسوله.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين :
١ ـ حرمة الصلاة على الكافر مطلقا.
٢ ـ حرمة غسل الكافر والقيام على دفنه والدعاء له.
__________________
(١) روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (فصلى عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً) وما في التفسير من خبر ابن أبيّ رواه مسلم.
(٢) فإن قيل : كيف يعطي الرسول صلىاللهعليهوسلم قميصه ليكفن فيه رئيس المنافقين وكيف صلى عليه واستغفر له وهو يعلم أنّه منافق؟ والجواب : أما اعطاؤه ثوبه ليكفن فيه فقد سبق أن أعطى عبد الله بن أبي ثوبا للعباس عم الرسول صلىاللهعليهوسلم فحفظ له هذه اليد فأعطاه ثوبه وأما الصلاة عليه فقد كانت قبل نهي الله تعالى عنها ، وأما الاستغفار فقد خير فيه بقوله (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) فرأى صلىاللهعليهوسلم في استغفاره استئلافا للقلوب ففعل.
(٣) في الآية دليل على فرضية الصلاة على أموات المسلمين ، ولا خلاف في هذا بين أهل العلم ، وفي الآية إحدى موافقات عمر رضي الله عنه إذ أنزل الله تعالى هذا الحكم وهو ترك الصلاة على المنافقين بعد أن قال عمر : أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين ، فالصلاة هنا هي الدعاء والاستغفار فلما صلى عليه نزلت الآية (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ ..) الخ فترك الصلاة على المنافقين.
(٤) صلاة الجنازة هي : أن يكبر ثم يقرأ الفاتحة ثم يكبر ويصلي على النبي صلىاللهعليهوسلم ثم يكبر ويدعو للميت ، ثم يكبر الرابعة ويسلم لفعل الرسول صلىاللهعليهوسلم هذا وقوله : (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء) رواه أبو داود ، ويستحب أن يقف الإمام عند رأس الرجل ، وعجيزة المرأة ، لورود الحديث بذلك في مسلم وأبي داود.