(مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا) : مضى في كفره وباطله كأن لم يكن ذاك الذي دعا بكشف ضره.
(كَذلِكَ زُيِّنَ) (١) : مثل ذلك النسيان بسرعة لما كان يدعو لكشفه ، زين للمسرفين إسرافهم في الظلم والشر.
(الْقُرُونَ) : أي أهل القرون.
(بِالْبَيِّناتِ) : بالحجج والآيات على صدقهم في دعوتهم.
(خَلائِفَ) : أي لهم ، تخلفونهم بعد هلاكهم.
معنى الآيات :
هذه الفترة التي كانت تنزل فيها هذه السورة المكية كان المشركون في مكة في هيجان واضطراب كبيرين حتى إنهم كانوا يطالبون بنزول العذاب عليهم إذ ذكر تعالى ذلك عنهم في غير آية من كتابه منها (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) ومنها (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ) وفي هذا الشأن نزل قوله تعالى (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ) (٢) أي عند سؤالهم إياه ، (٣) أو فعلهم ما يقتضيه كاستعجاله الخير لهم (لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) أي لهلكوا الهلاك العام وانتهى أجلهم في هذه الحياة ، وقوله تعالى (فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) أي لم نعجل لهم العذاب فنذر الذين لا يرجون لقاءنا أي لا يؤمنون بلقائنا وما عندنا من نعيم وجحيم نتركهم في طغيانهم في الكفر والظلم والشر والفساد يعمهون حيارى يترددون لا يعرفون متجها ولا مخرجا لما هم فيه من الضلال والعمى.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (١١) أما الآية الثانية (١٢) فقد تضمنت بيان حقيقة وهي أن الإنسان الذي يعيش في ظلمة الكفر ولم يستنر بنور الإيمان إذا مسه الضر وهو
__________________
(١) قال القرطبي وهو صادق ، كما زيّن لهذا الدعاء عند البلاء والإعراض عند الرخاء زيّن للمسرفين في الشرك والمعاصي أعمالهم في ذلك.
(٢) فسّر الشرّ بالعقوبة إذ الشر كل ما يلحق الضرر بالإنسان عاجلا أو آجلا ، والعقوبة كلها شر إذ هي عذاب انتقام ينزل بصاحبه.
(٣) قال مجاهد : هذه الآية نزلت في الرجل يدعو على نفسه أو ماله أو ولده إذا غضب. اللهم أهلكه اللهم لا تبارك فيه اللهم العنه فلو استجيب ذلك منه كما يستجاب الخير لقضى إليهم أجلهم. ولا أحسب أنّ الآية نزلت في هذا وإنما هي شاهد لما قال فقط ، وشاهد آخر رواه البزار وأبو داود وهو قوله صلىاللهعليهوسلم : (لا تدعوا على أنفسكم لا تدعوا على أولادكم لا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة فيها إجابة فيستجيب لكم).