المرض والفقر وكل ما يضر دعا ربه على الفور لجنبه أو قاعدا أو قائما يا رباه يا رباه فإذا استجاب الله له وكشف ما به من ضر مرّ كأن لم يكن مرض ولا دعا واستجيب له واستمر في كفره وظلمه وغيّه. وقوله تعالى (كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي كما أن الإنسان الكافر سرعان ما ينسى ربه الذي دعاه ففرج ما به كذلك حال المسرفين في الظلم والشر فإنهم يرون ما هم عليه هو العدل والخير ولذا يستمرون في ظلمهم وشرهم وفسادهم. هذا ما دل عليه قوله تعالى (كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ).
وقوله تعالى في الآية الثالثة (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) هذا خطاب لأهل مكة يخبرهم تعالى مهددا إياهم بإمضاء سنته فيهم بأنه أهلك أهل القرون من قبلهم لمّا ظلموا أي أشركوا وجاءتهم رسلهم بالبينات (١) أي بالآيات والحجج ، وأبوا أن يؤمنوا لما ألفوا من الشرك والمعاصي فأهلكهم كعاد وثمود وأصحاب مدين وقوله تعالى (كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) أي مثل ذلك الجزاء بالإهلاك العام نجزي القوم المجرمين في كل زمان ومكان إن لم يؤمنوا ويستقيموا. وقوله تعالى (ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) أي يقول لمشركي العرب من أهل مكة وغيرها ، ثم جعلناكم خلائف (٢) في الأرض بعد إهلاك من قبلكم لننظر (٣) كيف تعملون فإن كان عملكم خيرا جزيناكم به وإن كان سوءا جزيناكم به وتلك سنتنا في عبادنا وما الله بغافل عما يعمل الظالمون.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ مظاهر رحمة الله بعباده إذ لو عجل لهم ما يطلبون من العذاب كما يعجل لهم الخير عند ما يطلبونه لأهلكهم وقضى إليهم أجلهم فماتوا.
٢ ـ يعصي الله العصاة ويكفر به الكافرون ويتركهم في باطلهم وشرهم فلا يعجل لهم العذاب لعلهم يرجعون.
__________________
(١) أي : بالمعجزات الواضحات كالتي آتى بها موسى وعيسى عليهماالسلام.
(٢) الخلائف : جمع خليفة وحرف ثم مؤذن ببعد ما بين الزمانين ، والأرض : هي أرض العرب إذ هم الذين خلفوا عادا وثمودا وقبلهما طسما وجديسا.
(٣) هذا التعليل كقوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) إذ علّة الوجود هي أن يذكر الله ويشكر ، فمن ذكره وشكره أكرمه وأسعده ومن كفره ونساه عذّبه وأشقاه.