إلى أبيهم مساء يبكون يحملون الفاجعة إلى أبيهم الشيخ الكبير قال تعالى (وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً) أي ليلا (يَبْكُونَ) (١) وقالوا معتذرين (يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ (٢) وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا (٣) فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) أي بمصدق لنا (وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) وقد دلت عباراتهم على كذبهم قال تعالى (وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) (٤) أي ذي كذب أو مكذوب إذ هو دم سخلة ذبحوها فأكلوها ولطخوا ببعض دمها قميص يوسف أخيهم ونظر يعقوب إلى القميص وهو ملطخ بالدم الكذب ولم يكن به خرق ولا تمزيق فقال إن هذا الذئب لحليم إذ أكل يوسف ولم يخرق ثوبه. ثم قال ما أخبر تعالى عنه بقوله (قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) أي لم يكن الأمر كما وصفتم وادعيتم وإنما سولت لكم أنفسكم أمرا فنفذتموه. (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) (٥) أي فأمري صبر جميل والصبر الجميل هو الذي لا جزع فيه ولا شكوى معه. (وَاللهُ الْمُسْتَعانُ (٦) عَلى ما تَصِفُونَ) أي من الكذب.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ جواز صدور الذنب الكبير من الرجل المؤمن المهيء للكمال مستقبلا. (٧)
٢ ـ لطف الله تعالى بيوسف وإكرامه له بإعلامه إياه أنه سينّبىء إخوته بفعلتهم هذه وضمن ذلك بشره بسلامة الحال وحسن المآل.
٣ ـ اختيار الليل للاعتذار دون النهار لأن العين تستحي من العين كما يقال. وكما قيل «كيف يرجو الحياء منه صديق ... ومكان الحياء منه خراب. يريد عينيه لا تبصران.
٤ ـ فضيلة الصبر الجميل وهو الخالي من الجزع والشكوى معا.
__________________
(١) في الآية دليل على أن بكاء المرء لا يكون دليلا على صدق قوله لاحتمال أن يكون تصنعا كما حصل لأولاد يعقوب.
(٢) هو المسابقة وقيل ننتضل وهو نوع من المسابقة وهو في السهام لا في الأقدام وفي الآية دليل على مشروعية السباق وقد سابق النبي صلىاللهعليهوسلم بين الخيل التي أضمرت من الحفياء وكان أمدها ثنية الوداع ، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق ، والحفياء تبعد من ثنية الوداع ستة أميال أو سبعة ، أجمع المسلمون أنه لا يجوز الرهان في السباق إلا في الخيل والإبل والنصل وهي الرماية بالسهام لإصابة الهدف.
(٣) أي ثيابنا وأمتعتنا.
(٤) استدل الفقهاء بهذه الآية في إعمال الامارات في مسائل من الفقه كالقسامة وغيرها إذ يعقوب عليهالسلام استدل على كذب بنيه بصحة القميص وعدم تمزقه بأنياب الذئب.
(٥) (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) أولى به فصبر جميل مبتدأ وأولى به الخبر وهو محذوف وما في التفسير واضح كذلك.
(٦) (وَاللهُ) مبتدأ و (الْمُسْتَعانُ) خبر و (عَلى ما تَصِفُونَ) متعلق به ، والمعنى والله المستعان به على احتمال ما تصفون من الكذب.
(٧) لأن إخوة يوسف بعد فعلتهم تلك بأخيهم تاب الله عليهم ونجاهم ومن ألطافه بهم أنه حال بينهم وبين جريمة القتل ونجا يوسف وهم يعلمون.