السّلام (قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ) أي منع (١) منا ملك مصر الكيل إلا أن نأتي بأخينا بنيامين (فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ (٢) وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) أن يناله مكروه بحال من الأحوال. فأجابهم يعقوب عليهالسلام بما أخبر تعالى عنه بقوله : (قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ) أي ما آمنكم عليه (إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ) يعني يوسف لما ذهبوا به إلى البادية. (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (٣) جرى هذا الحديث بينهم عند وصولهم وقبل فتح أمتعتهم ، وأما بعد فتحها فقد قالوا ما أخبر تعالى به في قوله : (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ) أي دراهمهم (رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا) أي فأرسل معنا أخانا نذهب به الى مصر (وَنَمِيرُ) (٤) (أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) لأن الملك المصري لا يبيع للنفر الواحد الا حمل بعير نظرا لحاجة الناس إلى الطعام في هذه السنوات الصعبة للجدب العام في البلاد. فأجابهم يعقوب بما قال تعالى عنه (قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ) أي حتى تعطوني عهدا مؤكدا باليمين على أن تأتوني به (لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) (٥) بعدو ونحوه فتهلكوا جميعا فأعطوه ما طلب منهم من عهد وميثاق ، قال تعالى : (فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) أي شهيد عليّ وعليكم ، أي فأشهد الله تعالى على عهدهم. ولما أرادوا السفر إلى مصر حملته العاطفة الأبوية والرحمة الإيمانية على أن قال لهم ما أخبر تعالى عنه : (وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ) أي لا تدخلوا وأنتم أحد عشر رجلا من باب واحد فتسرع إليكم العين ، (٦) وإنما ادخلوا من عدة أبواب فلا
__________________
(١) إذ قال لهم : (فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ).
(٢) أصل (نَكْتَلْ) : نكتال فحذفت الألف لسكون اللام بالجازم وقرىء بالياء يكتل : أي أخوهم بنيامين.
(٣) وقرىء : خير حفظا قراءة سبعية.
(٤) (نَمِيرُ أَهْلَنا) أي نجلب لهم الطعام قال الشاعر :
بعثتك مائرا فمكثت حولا |
|
متى يأتي غياثك من تغيث |
(٥) أي : تهلكوا أو تموتوا وإلّا أن تغلبوا عليه.
(٦) في الآية دليل على ما يلي :
أ ـ على التحرّز من العين ، والعين حق لحديث : (إنّ العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر) ولتعوذ الرسول صلىاللهعليهوسلم منها في غير حديث.
ب ـ على المسلم إن أعجبه شيء أن يبرّك ، لقول الرسول صلىاللهعليهوسلم : (ألا برّكت)!! والتبريك أن يقول : تبارك الله أحسن الخالقين اللهم بارك فيه.
ج ـ إذا أصاب العبد بعينه لأنّه لم يبرّك فإنه يؤمر بالاغتسال ويجبر عليه.
د ـ إذا عرف المرء بأذاه للناس بعينه يبعد عنهم وجوبا.