وغسل قلبه بماء زمزم وحشي إيمانا وحكمة ، ثم أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بيت المقدس ، وأخبر صلىاللهعليهوسلم أنه جمع الله تعالى له الأنبياء في المسجد الأقصى وصلى بهم إماما فكان بذلك إمام الأنبياء وخاتمهم ثم عرج به إلى السماء سماء بعد سماء يجد في كل سماء مقربيها إلى أن انتهى إلى سدرة المنتهى عندها جنة المأوى ثم عرج به إلى أن انتهى إلى مستوى سمع فيه صرير الأقلام وقوله تعالى : (الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ) أي حول المسجد الأقصى (١) معنى حوله خارجه وذلك بالأشجار والأنهار والثمار أما داخله فالبركة الدينية بمضاعفة الصلاة فيه أي أجرها إذ الصلاة فيه بخمسمائة صلاة أجرا ومثوبة وقوله تعالى (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) تعليل للاسراء والمعراج وهو أنه تعالى أسرى بعبده وعرج به ليريه من عجائب صنعه في مخلوقاته في الملكوت الأعلى ، وليكون ما علمه من طريق الوحي قد علمه بالرؤية والمشاهدة. وقوله تعالى (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) يعني تعالى نفسه بأنه هو السميع لأقوال عباده البصير بأعمالهم وأحوالهم فاقتضت حكمته هذا الاسراء العجب ليزداد الذين آمنوا إيمانا وليرتاب المرتابون ويزدادون كفرا وعنادا
هداية الآية الكريمة :
من هداية الآية الكريمة :
١ ـ تقرير عقيدة الإسراء والمعراج بالنبي صلىاللهعليهوسلم بالروح والجسد (٢) معا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، ثم إلى السماوات العلى ، إلى مستوى سمع فيه صرير الأقلام وأوحى إليه تعالى ما أوحى وفرض عليه وعلى أمته الصلوات الخمس.
٢ ـ شرف المساجد الثلاثة : الحرام ، ومسجد النبي صلىاللهعليهوسلم ، والمسجد الأقصى أما المسجدان الحرام والأقصى فقد ذكرا بالنص وأما مسجد الرسول صلىاللهعليهوسلم فقد ذكر بالاشارة (٣) والإيماء إذ قول الأقصى يقتضي قصيا ، فالقصي هو المسجد النبوي والأقصى هو مسجد بيت المقدس.
٣ ـ بيان الحكمة في الاسراء والمعراج وهي أن يرى الرسول صلىاللهعليهوسلم بعيني رأسه ما كان آمن به وعلمه من طريق الوحي فاصبح الغيب لدى رسول الله شهادة.
__________________
(١) المسجد الحرام : اول مسجد بني في الأرض ، ويليه المسجد الأقصى والزمن بينهما أربعون سنة ، والمسجد النبوي بني بعدهما بقرون طويلة ، فهذه الثلاثة أشرف المساجد على الإطلاق وعليه فمن نذر صلاة فيها وجب عليه الوفاء بالصلاة فيها ، ومن نذر الصلاة في مسجد غيرها جاز أن يصلي في أي مسجد آخر.
(٢) لا قيمة للقول بأنّ الإسراء كان بالروح فقط إذ لو كان بالروح لكان من المنام ، ولما قال تعالى : (أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) ولما قالت أم هانىء : لا تحدّث الناس فيكذبوك ، ولا فضّل أبو بكر بقلب الصديق ولا ما أمكن قريشا التشنيع والتكذيب ، ولما ارتد أفراد عن الإسلام بتشنيع قريش ، وأما إطلاق لفظ الرؤيا على المنام خاصة فليس بذاك إذ قد يطلق لفظ الرؤيا على الرؤية في اليقظة ، وأعظم دليل في قوله تعالى : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) أي : رأي الرسول جبريل مرّة أخرى في الجنة في السماء ليلة الاسراء والمعراج كما رآه أوّل مرّة في جياد بمكة.
(٣) حدثنا شيخنا الطيب العقبى خريج المسجد النبوي الشريف : أنّه ألقى كلمة في الروضة بالمسجد النبوي ففتح الله تعالى عليه فذكر أنّ المسجد النبوي أشير إليه في آية الاسراء فهو إذا مذكور في القرآن بالإيماء كما ذكرت في التفسير.