بعد رضا موسى بمطلب خضر انطلقا يسيران في الأرض (١) فوصلا ميناء من المواني البحرية ، فركبا سفينة كان خضر يعرف أصحابها فلم يأخذوا منهما أجر الإركاب فلما أقلعت السفينة ، وتوغلت في البحر أخذ خضر فأسا فخرق السفينة ، فجعل موسى يحشو بثوب له الخرق ويقول : (أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها) على أنهما حملانا بدون نول (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً) أي أتيت يا عالم منكرا فظيعا فأجابه خضر بما قص تعالى : (قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) فأجاب موسى بما ذكر تعالى عنه : (قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً) أي لا تعاقبني بالنسيان فإن الناسي لا حرج عليه. وكانت هذه من (٢) موسى نسيانا حقا ولا تغشني بما يعسر علي ولا أطيقه فاتضايق من صحبتي إياك.
قال تعالى : (فَانْطَلَقا) بعد نزولهما من البحر إلى البر فوجدا غلاما جميلا وسيما يلعب مع الغلمان فأخذه خضر جانبا وأضجعه (٣) وذبحه فقال له موسى بما أخبر تعالى عنه : (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ) زاكية طاهرة لم يذنب صاحبها ذنبا تتلوث به روحه ولم يقتل نفسا يستوجب بها القصاص (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً) أي أتيت منكرا عظيما بقتلك نفسا طاهرة لم تذنب ولم تكن هذه نسيانا من موسى بل كان عمدا إن لم يطق فعل منكر كهذا لم يعرف له (٤) وجها ولا سببا.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ جواز الاشتراط في الصحبة وطلب العلم وغيرهما للمصلحة الراجحة.
٢ ـ جواز ركوب السفن في البحر.
٣ ـ مشروعية إنكار المنكر على من علم أنه منكر.
٤ ـ رفع الحرج عن الناس.
٥ ـ مشروعية القصاص وهو النفس بالنفس.
__________________
(١) في البخاري : (فانطلقا يسيران على ساحل البحر فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول أي «أجرة»).
(٢) في البخاري : (قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكانت الأولى من موسى نسيانا قال : وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر نقرة في البحر فقال له الخضر ما علمي وعلمك من علم الله إلّا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر). حرف السفينة : طرفها ، وحرف كل شيء طرفه.
(٣) في الترمذي : (أنه أخذ رأسه بيده فاقتلعه فقتله) وفي بعض الروايات (أنه أخذ حجرا فضرب بها رأس الغلام فقتله) وما في التفسير أصح وأوضح.
(٤) سيأتي بيان علّة القتل وأنها حق والقتل كان بإذن الله تعالى وما مات أحد ولا قتل إلّا بإذن الله تعالى.