دين الله تعالى الحق بتكليف الله تعالى لهم بذلك حيث نبأهم وأرسلهم. وهو معنى قوله تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) (١) وقوله : (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ) أي أوحينا إليهم بأن يفعلوا الخيرات جمع خير وهو كل نافع غير ضار فيه مرضاة لله تعالى وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة. وقوله تعالى : (وَكانُوا لَنا عابِدِينَ) أي امتثلوا أمرنا فيما أمرناهم به وكانوا لنا مطعين خاشعين وهو ثناء عليهم بأجمل الصفات وأحسن الأحوال وقوله تعالى : (وَلُوطاً آتَيْناهُ (٢) حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ (٣) إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ) أي وكما آتينا إبراهيم وولديه ما آتيناهم من الإفضال والإنعام الذي جاء ذكره في هذا السياق آتينا لوطا وقد خرج مهاجرا مع عمه إبراهيم آتيناه أيضا حكما وعلما ونبوة ورسالة متضمنة حسن الحكم والقضاء وأسرار الشرع والفقه في الدين. هذه منة وأخرى أنا نجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث وأهلكنا أهلها لأنهم كانوا قوم سوء لا يصدر عنهم الا ما يسوء إلى الخلق فاسقين عن أمرنا خارجين عن طاعتنا ، وقوله : (وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) وهذا إنعام آخر أعظم وهو ادخاله في سلك المرحومين برحمة الله الخاصة لأنه من عباد الله الصالحين.
وقوله تعالى : (وَنُوحاً) أي واذكر يا رسولنا في سلك هؤلاء الصالحين عبدنا ورسولنا نوحا الوقت الذي نادى ربه من قبل إبراهيم (٤) فقال إني مغلوب فانتصر ، (فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ (٥) الْعَظِيمِ) حيث نجاه تعالى وأهله إلا امرأته وولده كنعان فإنهما لم يكونا من أهله لكفرهما وظلمهما فكانا من المغرقين. وقوله : (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي ونصرناه بإنجائنا له منهم فلم يمسوه بسوء ، وأغرقناهم أجمعين لأنهم كانوا قوم سوء فاسقين ظالمين (٦).
__________________
(١) وجائز أن يكون معنى (بِأَمْرِنا) : أي : بما أنزلنا عليهم بوحينا من الأمر والنهي كأنه قال : بكتابنا وما بيّنا فيه من التشريع المحقق للآخذين به سعادة الدنيا والآخرة والأئمة جمع إمام وهو الرئيس الذي يقتدى به في الخير لا في الشر.
(٢) (وَلُوطاً) : منصوب على الاشتغال أي : وآتينا لوطا آتيناه. والحكم : الحكمة وهو النبوة والعلم علم الشريعة.
(٣) الخبائث : جمع خبيثة وهي الفعلة الشنيعة ، ومن خبائثهم : اللواط ، والتضارط في الأندية وحذف الحصى ، والتحريش بين الديك والكلاب. والقرية هي سدوم وعمورة ، وما حولهما إذ كانت سبع مدن قلب جبريل منها ستة وأبقى واحدة للوط وعياله وهي : زغر من كورة فلسطين.
(٤) من قبل ابراهيم ولوط عليهماالسلام.
(٥) الكرب : هو الغمّ الشديد وهو هنا : الطوفان.
(٦) السوء : بفتح السين مصدر : القبيح المكروه من القول والفعل وبضم السين اسم مصدر وهو أعم من السوء بفتح السين.