معنى الآيات :
لقد أنكر كفار مكة أن يكون القرآن وحيا أوحاه الله تعالى وبذلك أنكروا أن يكون محمد رسول الله ، ومن هنا ردوا عليه كل ما جاءهم به من التوحيد وغيره ، فإيراد هذا القصص يتلوه محمد صلىاللهعليهوسلم وهو لا يقرأ ولا يكتب دال دلالة قطعية على أنه وحى إلهي أوحاه إلى محمد صلىاللهعليهوسلم وهو بذلك رسوله. فقوله تعالى (وَإِنَّهُ) أي القرآن الذي كذب به المشركون (لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ (١) الرُّوحُ الْأَمِينُ) جبريل عليهالسلام (عَلى (٢) قَلْبِكَ) أي الرسول لأن القلب هو الذي يتلقى الوحي إذ هو محط الإدراك والوعي والحفظ ، وقوله (لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) هو علة لنزول القرآن عليه وبه كان من الرسل المنذرين. وقوله (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) أي القرآن مذكور في الكتب الإلهية التي سبقته كالتوراة (٣) والإنجيل. وقوله تعالى (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ) أي لكفار قريش (آيَةً) أي علامة على أن القرآن وحي الله وكتابه وأن محمدا عبد الله ورسوله (أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ) أي علم بني إسرائيل به كعبد الله بن سلام فقد قال والله إني لأعلم أن محمدا رسول أكثر مما أعلم أن فلانا ولدي ، لأن ولدي في الإمكان أن تكون أمه قد خانتني أما محمد فلا يمكن أن يكون غير رسول الله وفيهم قال تعالى (يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) ومن عرف محمدا رسولا عرف القرآن وحيا إلهيا.
وقوله تعالى (وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ) (٤) أي وبلسان عربي مبين فكان ذلك آية ، وقرأه عليهم الأعجمي ، ما كانوا به مؤمنين. أي من أجل الأنفة والحمية إذ يقولون أعجمي وعربي؟ وقوله تعالى : (كَذلِكَ سَلَكْناهُ) أي التكذيب وعدم الإيمان (فِي قُلُوبِ
__________________
(١) قرأ نافع وحفص وغيرهما (نَزَلَ) بالتخفيف ، و (الرُّوحُ) مرفوع على الفاعلية وقرأ بعض نزّل بالتضعيف والروح منصوب على المفعولية والفاعل هو الله جل جلاله ، والباء في (بِهِ) للمصاحبة.
(٢) (عَلى) : حرف استعلاء وكون القرآن نزل به جبريل على قلب الرسول صلىاللهعليهوسلم دال على تمكن وصول الوحي واستقراره في القلب. نحو : (عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) وقد روى البخاري في صفة الوحي فقال عن عائشة : إنّ الحارث بن هشام سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله كيف يأتيك الوحي فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال وأحيانا يتمثّل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول).
(٣) جاء في التوراة قال لي الرب (أي لموسى) أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به. فالمراد من إخوة بني إسرائيل هم العرب. وفي الإنجيل : وأنا أطلب من الأب فيعطيكم معزيا (أي رسولا) آخر ليمكث معكم إلى الأبد وهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قتله لكم.
(٤) وكذلك لو أنزله على أعجمي بلغته لاعتذروا بأنهم لا يفهمون عنه ، والمراد من الأعجمي : هو من لا يحسن اللغة العربية وإن كان عربيا ، والعجمي من أصله عجمي ولو أجاد اللغة العربية.