معنى الآيات :
ما زال السياق في قصص قارون الباغي قال تعالى (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ) (١) أي قارون في يوم عيد أو مناسبة خرج على قومه وهم يشاهدون موكبه (فِي زِينَتِهِ) الخاصة من الثياب والمراكب. قوله تعالى : (قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) أي من قوم موسى وهم المفتونون بالدنيا وزخرفها من أهل الغفلة عن الآخرة وما أكثرهم اليوم وقبل وبعد اليوم قالوا ما أخبر الله تعالى به عنهم : (يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ) تمنوا أن يكون لهم مثل الذي أوتي قارون من المال والزينة (إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ (٢) عَظِيمٍ) أي بخت ونصيب ورزق (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) أي الشرعي (٣) الديني العالمون بالدنيا والآخرة. وأسباب السعادة والشقاء في كل منهما قالوا ما أخبر تعالى به عنهم في قوله : (وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) أي ويحكم هلكتم إن كنتم تؤثرون هذا الفاني على الباقي (ثَوابُ اللهِ) وهو الجنة خير من هذا الزخرف الفاني (لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) ولازم ذلك أنه ترك الشرك والمعاصي ، وقوله تعالى : (وَلا يُلَقَّاها) أي (٤) هذه الجملة من الكلام : (ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ) بربه (وَعَمِلَ صالِحاً) في حياته بأداء الفرائض والنوافل وترك المحرمات والرذائل أي ولا يلقى هذه الكلمة (إِلَّا الصَّابِرُونَ) من أهل الإيمان والتقوى هم الذين يلقنهم الله إياها فيقولونها لصفاء أرواحهم وزكاة أنفسهم وقوله تعالى في الآية (٨١) (فَخَسَفْنا بِهِ (٥) وَبِدارِهِ الْأَرْضَ) يخبر تعالى أنه خسف بقارون وبداره الأرض انتقاما منه لكفره ونفاقه وبغيه وكبريائه. وقوله تعالى (فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ) أي جماعة (يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ) لما أراد الله خذلانه بخسف الأرض به وبداره ومن فيها من أعوانه الظلمة والمجرمين. (وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ) أي لنفسه فنجاها مما حل بها من الخسف في باطن الأرض التي مازال يتجلجل فيها إلى يوم القيامة. وقوله تعالى : (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ) (٦) يخبر تعالى
__________________
(١) لم تؤثر فيه موعظة واعظيه ولم ينتفع منها بشيء لظلمة نفسه وقساوة قلبه لما ران عليه من الذنوب فخرج في مظهر الكبرياء والتحدي.
(٢) الحظ : القسم الذي يعطاه المقسوم له.
(٣) في الآية دليل قوي على أنّ الجهل بالله وشرائعه ووعده ووعيده هو سبب كل شر وفساد في الأرض ، وأنّ العلم بذلك هو سبيل الإصلاح في الأرض.
(٤) (يُلَقَّاها) الضمير عائد على ما دلّ عليه قولهم : (وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) وهو هذه الموعظة ، ولا يلهمها وتلقى في روعه وينطق بها إلّا أهل الصبر على الطاعات وعن المعاصي فتصفو لذلك نفوسهم فيلهمون مثل هذه الموعظة.
(٥) الفاء هنا : للترتيب والتعقيب فقد خسف به يوم خروجه في زينته.
(٦) أي : تمنوا منزلته بين الناس ، وهي منزلة المال والترف والجاه والرفعة ومعنى : مكانه : ما كان عليه من منزلة العلو والرفعة.