تستظل فأصبحت وقد جهدت ثم مكثت يوما آخر وليلة لم تأكل ولم تشرب فجاء سعد إليها وقال : يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني فكلي إن شئت وإن شئت فلا تأكلى ، فلما أيست منه أسلمت وأكلت وشربت فأنزل الله هذه الآية (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) أي عهدنا إليه بواسطة الرسل إيصاء ذا حسن وهو برهما بطاعتهما في المعروف وترك أذاهما ولو قل ، وإيصال الخير بهما من كل ما هو خير قولا كان أو فعلا. وقوله تعالى : (وَإِنْ جاهَداكَ) أي بذلا جهدهما في حملك على أن تشرك بي شيئا من الشرك أو الشركاء فلا تطعهما كما فعل سعد بن أبي وقاص مع والدته في عدم إطاعتها. وقوله (إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) أولادا ووالدين (فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وأجزيكم به فلذا قدموا طاعتي على طاعة الوالدين ، فإني أنا الذي أحاسبكم وأجزيكم بعملكم أنتم وإياهم على حد سواء. وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) أي بالله ورسوله (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) التي هي العبادات التي تعبّد الله تعالى بها عباده المؤمنين ، فشرعها لهم وبينها رسوله صلىاللهعليهوسلم كالذكر وقراءة القرآن والصلاة والصيام والصدقات والجهاد والحج وما إلى ذلك. هؤلاء الذين جمعوا بين الإيمان الحق والعمل الصالح الخالي من الشرك والرياء. يقسم الله تعالى أنه يدخلهم في مدخل الصالحين وهم الأنبياء والأولياء في الجنة دار السّلام. وقوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ (١) مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ) الآية هذه نزلت في أناس كانوا بمكة وآمنوا وأعلنوا عن إيمانهم فاضطهدهم المشركون فكانوا ينافقون فأخبر تعالى عنهم بقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ) أي آذاه المشركون نافق وارتد (جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ) أي أذاهم له وتعذيبهم إياه (كَعَذابِ اللهِ) يوم القيامة فوافق المشركين على الكفر. وقوله تعالى : (وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) أي على الإيمان وإنما كنا مكرهين وهذه نزلت فيمن خرجوا من مكة إلى بدر مع المشركين لما انهزم المشركون وانتصر المسلمون وأسروا قالوا (إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) أي على الإيمان فرد تعالى دعواهم بقوله (أَوَلَيْسَ (٢) اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ) أي الناس. وقوله تعالى : (وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ) تقرير لما سبق في الآية قبل وليترتب عليه الجزاء على الإيمان وعلى النفاق. فعلمه تعالى يستلزم الجزاء العادل فأهل الإيمان يجزيهم بالنعيم المقيم وأهل النفاق بالعذاب المهين. أولئك في دار السّلام وهؤلاء في دار البوار. وقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا) أي ديننا
__________________
(١) قال الضحاك هذه الآية نزلت في ناس من المنافقين في مكة كانوا يؤمنون فإذا أوذوا رجعوا إلى الشرك.
(٢) الاستفهام للتقرير فلذا يجاب ببلى.