معنى الآيات :
لما لج المشركون في الخصومة والعناد ودعاهم الله تعالى الى أمثل حل وهو أن يقوموا متجردين لله تعالى من الهوى والتعصب يقوموا اثنين اثنين أو واحدا واحدا لآن الجماعة من شأنها أن تخلتف مع الآراء ثم يتفكروا في حياة الرسول وما دعاهم إليه من الهدى والحق فإنكم تعلمون انه ليس كما اتهمتموه بالجنون وإنما هو نذير لكم بين يدي عذاب شديد يخاف وقوعه بكم ونزوله عليكم هنا أمره تعالى أن يقول لهم وكوني نذيرا لكم مما أخاف عليكم لا أسألكم على إنذاري لكم أجرا (١) (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) أي مطلع عليّ عالم بصدقي ويجزيني على إنذاري لكم إذ كلفني به فقمت به طاعة له. وقوله تعالى (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ (٢) بِالْحَقِ) أي قل لهم يا رسولنا إن ربي يقذف بالحق أي يلقى بالوحي على من يشاء من عباده (٣) (عَلَّامُ الْغُيُوبِ) أي وهو علام الغيوب يعلم من هو أهل للوحي إليه والإرسال فيوحى إليه ويرسله كما أوحى إليّ وارسلني إليكم نذيرا وبشيرا. وقوله تعالى : (قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) أي قل لهم يا رسولنا جاء الحق وهو الإسلام الدين الحق ، فلم يبق للباطل الذي هو الشرك والكفر مكان ولا مجال ، وما يبدىء الباطل وما يعيد؟ أي أنه كما لا يبدىء لا يعيد فهو ذاهب لا أثر له أبدا وقوله : (قُلْ (٤) إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي) أي أعلمهم بأنك إن ضللت فيما أنت قائم عليه تدعو إليه فإنما عائد ضلالك عليك لا عليهم ، وإن اهتديت فهدايتك بفضل ما يوحى إليك ربك من الهدى والنور (إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ) سميع لأقوالك وأقوال غيرك غير بعيد فيتعذر عليه مجازاة عباده صاحب الإحسان بالإحسان وصاحب السوء بالسوء. وقوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) أي لرأيت أمرا قطعيا يقول تعالى لرسوله ولو ترى (٥) إذ فزع المشركون في ساحات فصل القضاء يوم القيامة فزعوا من شدة الهول والخوف وقد أخذوا من مكان قريب والقوا في جهنم لرأيت أمرا فظيعا في غاية الفظاعة. وقوله (فَلا فَوْتَ
__________________
(١) أي جعلا على تبليغ الرسالة فإن سألتكموه فهو لكم.
(٢) جائز أن يكون المعنى يقذف الباطل بالحق فيدمغه فإذا هو زهق كذا روي عن ابن عباس وقال قتادة بالحق أي بالوحي وعنه أن الحق القرآن والكل صحيح وما في التفسير أقرب وأوضح.
(٣) (عَلَّامُ) مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي هو (عَلَّامُ الْغُيُوبِ) والغيوب جمع غيب وقرأ الجمهور بضم الغين وكسرها بعضهم كبيوت إذ يجوز لها الضم والكسر والآية فيها معنى (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) وفيها رد على المعترضين على الوحي إلى محمد صلىاللهعليهوسلم.
(٤) لما أفحمهم في الآيات السابقة وقطع طريق الاستدلال عليهم وتركهم في غيهم حيارى أمر رسوله أن يقول لهم تاركا جدالهم لعدم الفائدة منه بعد وضوح الحق (إِنْ ضَلَلْتُ) الآية فعل هذا إنهاء لجدل عقيم.
(٥) الخطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم ولكل ذي أهلية وجواب لو محذوف كأن اللفظ لا يقدر على تصويره على حقيقته لفظاعته وهو كذلك.