من العوالم أشد خلقا إذا فكيف ينكرون البعث بدعوى استحالة وجوده لصعوبته قال تعالى (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) أي خلقنا أباهم آدم من طين لازب أي لاصق يلصق باليد ثم خلقناهم بطريق التناسل أفيعجزنا إعادة خلقهم مرة أخرى والجواب لا. لا وقوله تعالى (بَلْ (١) عَجِبْتَ) أي من تكذيبهم بالبعث لوضوح الأدلة على إمكانه ووجوب وجوده (وَيَسْخَرُونَ) أي وهم يسخرون من ذلك أي يستهزئون من قولك بالبعث وإمكانه. وقوله تعالى (وَإِذا ذُكِّرُوا) أي بالآيات لعلهم يذكرون فيؤمنون ويوحدون لا يذكرون لقساوة قلوبهم وظلمة ذنوبهم بالشرك والمعاصي. وقوله (وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ) (٢) أي يسخرون ويستهزئون (وَقالُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) أي ما هذا الذي جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم من القول والعمل إلا سحر مبين أي بيّن ظاهروهم في ذلك كاذبون قطعا للفرق بين السحر الذي هو تخيل باطل وبين الحق الثابت عقلا ووحيا من دقائق الشرع وأصول الدين من الإيمان بالله واليوم الآخر وقوله (أَإِذا مِتْنا (٣) وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) هذا قول المكذبين من المشركين يقولونه متعجبين مستبعدين للبعث قال تعالى ردّا عليهم قل يا رسولنا لهم (نَعَمْ) تبعثون أحياء (وَأَنْتُمْ داخِرُونَ) أي صاغرون ذليليون وأمر إعادتكم لا يتطلب أكثر من أن ينفخ اسرافيل في الصور فإذا أنتم أحياء تخرجون من قبوركم (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ) أي صيحة (واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ) قيام (يَنْظُرُونَ) ويقولوا أي عند قيامهم من قبورهم (يا وَيْلَنا) أي يا هلاكنا احضر هذا أوان حضورك أي يدعون على أنفسهم بالهلاك لشدة ما شاهدوا من هول القيامة كقول أحدهم يا ليتها كانت القاضية. وقولهم (هذا يَوْمُ الدِّينِ) اعتراف منهم بالبعث والجزاء ولكن في وقت ما هو بنافع لهم الاعتراف فيه أي هذا يوم الحساب والجزاء فيقال لهم (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ) (٤) الذي يفصل الله تعالى فيه بين عباده فيما كانوا فيما يختلفون فيحكم بنيهم بالعدل ، وقوله تعالى (الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) فيه توبيخ لهم أي هذا يوم البعث الذي كنتم تكذبون به وتقولون مستبعدين له أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون أو أباؤنا الأولون أي وآباؤنا الأولون أيضا.
__________________
(١) (بَلْ) للاضراب الانتقالي من التقرير التوبيخي إلى حالهم العجب قرأ الجمهور عجبت بفتح التاء والخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم وقرأ ابن مسعود بضم التاء ونسبة العجب إلى الله تعالى ليست كنسبته إلى خلقه كسائر صفاته تعالى.
(٢) سخريتهم هذه من محاجة النبي صلىاللهعليهوسلم إذ أتاهم بالآيات القرآنية الحاملة للأدلة العقلية وهم لجهلهم وعجزهم يدفعونها بالاستسخار والإنكار وهذا غاية الجهل والضلال.
(٣) الاستفهام إنكاري وجملة وأنتم داخرون في محل نصب على الحال.
(٤) جائز أن يكون (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) من قول الله تعالى والملائكة لهم وجائز أن يكون من قول بعضهم لبعض.