معنى الآيات :
قوله تعالى : (الَّذِينَ (١) يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ) (٢) يخبر تعالى عن عظمته وموجبات الإيمان به وبآياته وتوحيده ولقائه فيقول الذين يحملون العرش أي عرشه من الملائكة كالملائكة الذين يحفون بعرشه الجميع (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) تسبيحا مقرونا بالحمد بأن يقولوا سبحان الله وبحمده ويؤمنون به أي يؤمنون بوحدانيته وعدم الإشراك في عبادته (وَيَسْتَغْفِرُونَ (٣) لِلَّذِينَ آمَنُوا) لرابطة الإيمان التي ربطتهم بهم ولعل هذا السرّ في ذكر إيمانهم لأن المؤمنين إخوة واستغفارهم هو طلب المغفرة من الله للمؤمنين من عباده. وهو معنى قوله : (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) أي يقولون متوسلين إليه سبحانه وتعالى بصفاته (رَبَّنا وَسِعْتَ (٤) كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) أي يا ربنا وسعت رحمتك وعلمك سائر المخلوقات (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا) أي إليك فتركوا الشرك (وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) الذي هو الإسلام فانقادوا لأمرك ونهيك ، (وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) أي احفظهم يا ربنا من عذاب النار (وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ) أي إقامة من دخلها لا يخرج منها ولا يبغي عنها حولا لكمال نعيمها ووفرة السعادة فيها. ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذريّتهم أي وادخل كذلك من صلح بالإيمان والتوحيد من آبائهم وأزواجهم وذريّاتهم فألحقهم بدرجاتهم ليكونوا معهم وإن قصرت بهم أعمالهم. وقولهم (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) توسل أيضا إليه تعالى بصفتي العزة والغلبة والقهر لكل المخلوقات والحكمة المتجلية في سائر الكائنات. وقولهم : (وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ) (٥) أي واحفظهم من جزاء سيئاتهم بأن تغفرها لهم وتسترها عليهم حتى يتأهّلوا للحاق بأبنائهم الذين نسألك أن تلحقهم بهم ، (وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ) أي يوم القيامة (فَقَدْ رَحِمْتَهُ (٦) ، وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي النجاة من النار ودخول الجنة هو الفوز العظيم لقوله تعالى : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ). ومعنى ومن تق السئيآت أي تقيه عذابها وذلك بأن يغفرها لهم ويعفو عنهم
__________________
(١) حملة العرش أفضل الملائكة وهم أربعة ويوم القيامة يضاف إليهم أربعة فيصبحون ثمانية لقوله تعالى من سورة الحاقة (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ).
(٢) قال مجاهد بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب ، حجاب نور وحجاب ظلمة وحجاب نور وحجاب ظلمة.
(٣) قبل هذا معطوف على محذوف تقديره وينزهونه عما يقول الكافرون ويستغفرون الخ.
(٤) (رَحْمَةً) منصوب على التمييز (وَعِلْماً) معطوف عليه ، والتمييز محول عن فاعل إذ التقدير وسعت رحمتك وعلمك كل شيء.
(٥) قد لا يحتاج الأمر إلى تقدير محذوف فيقال وقهم جزاء السيئات إذ السيئات جمع سيئة «فيعلة» من السوء وهو ما يضر ولا يسر فالسيئة كل ما يسوء من عذاب وخوف ، وهلع فدعاء الملائكة دعاء بالنجاة مما يسوء المؤمنين يوم القيامة ولذا قالوا ومن تق السيئات أي ما يسوءه من العذاب فقد رحمته بدخول الجنة وما في التفسير هو رأي الجمهور من المفسرين.
(٦) قال مطرف بن عبد الله : وجدنا أنصح عباد الله الملائكة ، ووجدنا أغش عباد الله لعباد الله الشياطين وتلا هذه الآية الذين يحملون العرش إلى قوله فقد رحمته.