قارون من أموال بحيث أن المفاتح تثقل كاهل العصبة أي الجماعة من الرجال لو حملوها كلها وذلك لثقلها. وقوله تعالى : (إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ) أي من بني إسرائيل واعظين له مذكرين (لا تَفْرَحْ) أي بأموالك فرح الأشر البطر ، (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) أي الأشرين البطرين الذين يختالون ويتفاخرون ويتكبرون. (وَابْتَغِ) أي اطلب (فِيما آتاكَ اللهُ) من أموال (الدَّارَ الْآخِرَةَ) بأن تصدّق منها وأنفق فى سبيل الله كبناء مسجد أو مدرسة أو ميتم أو ملجأ إلى غير ذلك من أوجه البر والإحسان. (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ (١) مِنَ الدُّنْيا) فكل واشرب والبس واركب واسكن ولكن فى غير اسراف ولا مخيله ، (وَأَحْسِنْ) عبادة الله تعالى وطاعته وأحسن إلى عباده بالقول والعمل (كَما أَحْسَنَ) أي الله تعالى إليك (وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي (٢) الْأَرْضِ) بترك الفرائض وارتكاب المحرمات. (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) ومن لم يحبه الله أبغضه ومن أبغضه عذبه في الدنيا والآخرة فبعد هذه الموعظة من قومه الصالحين أهل العلم والبصيرة ردّ هذا الطاغية قارون بما أخبر به تعالى عنه في قوله في الآية (٧٨) (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) أي لا تهددوني ولا تخوفوني بسلب مالي عني إن أنا لم أحسن فإن هذا المال قد (أُوتِيتُهُ) أي آتانيه الله على علم (٣) منه بأني أهل له ولذا أعطاني وزاد عطائى وأكثره قال تعالى في الرد عليه في زعمه هذا (أَوَلَمْ يَعْلَمْ) أي أيقول ما يقول من الزعم الكاذب ولم (يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً ،) كعاد وثمود وقوم إبراهيم فلو كان كثرة المال دليلا على حب الله ورضاه عن أهله ، ما أهلك عادا وثمودا وقوم نوح من قبل وكانوا أشد قوة وأكثر مالا ورجالا وقوله تعالى : (وَلا يُسْئَلُ (٤) عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) أي إذا أكثر العبد من الإجرام بالشرك والمعاصي حق عليه كلمة العذاب وآن أوان عذابه لا يسأل عن ذنوبه بل يؤخذ فجأة كما أن هؤلاء المجرمين سيدخلون النار بغير حساب فلا يسألون ولا يحاسبون. قال تعالى : (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ (٥) فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) أي ويرمون في جهنم ويقال لهم : (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ) (٦).
__________________
(١) أشار ابن عمر إلى هذا القول في قوله : احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا. ومن تأولها بالعمل للآخرة فقط شاهده قول الشاعر :
مما تجمع الدهر كله |
|
رداءان تلوى فيهما وحنوط |
(٢) الفساد في الأرض يكون بفعل المعاصي الجامعة لترك الفرائض واتيان الكبائر.
(٣) وقال ابن زيد : لعلم الله تعالى بفضلي ورضاه عني أي : إنّي أوتيتها باستحقاقي.
(٤) أي : لا يسأل سؤال استعتاب ليتوب أما سؤال التقريع والتوبيخ فلا مانع منه ، وذلك كقوله تعالى : (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) وقوله (وما هم بمعتبين).
(٥) (بِسِيماهُمْ) إنهم سود الوجوه زرق العيون.
(٦) (الْمُجْرِمُونَ) : هم الذين أجرموا على أنفسهم أي : خبّثوها بكثرة ما يرتكبون من الجرائم كالكفر والظلم وكبائر الذنوب ، كالقتل ظلما وأكل الربا وتعاطي الخمور والزنى.