يعطيه المال. ثم أكدى (١) أي قطع عنه ما كان يعطيه ومنعه. فأنزل الله تعالى فيه هذه الآيات تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وتعليما وتحذيرا لكل من تبلغه ويقرأها أو تقرأ عليه فقال تعالى في أسلوب حمل فيه السامع على التعجب : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى) أي عن الإسلام بعد أن قارب الوصول إليه والدخول فيه ، (وَأَعْطى قَلِيلاً) أي من المال للشيطان المشرك الذي اتفق معه على أن يتحمل عليه العذاب مقابل مال يعطيه إياه أقساطا ، (وَأَكْدى) أي قطع ومنع لأن الذي يحفر بئرا في أرض أحيانا تصادفه كدية من الأرض الصلبة يعجز عن الحفر فينقطع عن الحفر ويمتنع كذلك الوليد اعطى ثم امتنع وهو معنى اكدى أي انتهى الى كدية من الأرض الصلبة.
وقوله تعالى : (أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى) (٢) أي أن المرء في امكانه أن يتحمل عذاب غيره يوم القيامة والجواب لا علم غيب عنده لا من كتاب ولا من سنة ، (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى) وهي التوراة (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) لربه في كل ما عهد به إليه من ذبح ولده حيث تله للجبين ليذبحه ، ومن بناء البيت والهجرة والختان بالقدوم إلى غير ذلك من التكاليف الشاقة. أي ألم ينبأ أي يخبر هذا الرجل الجاهل بما في صحف موسى بن عمران نبي بنى إسرائيل وإبراهيم أبو الأنبياء ثم بين تعالى ما تضمنته تلك الصحف من علم فقال :
* (أَلَّا تَزِرُ (٣) وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أن لا تحمل نفس مذنبة ذنب نفس أخرى.
* (وَأَنْ لَيْسَ (٤) لِلْإِنْسانِ) من ثواب يوم القيامة (إِلَّا ما سَعى) في تحصيله بنفسه وهذا لا يتعارض مع قول الرسول صلىاللهعليهوسلم في الصحيح إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ولد صالح يدعو له أو صدقة جارية أو علم ينتفع به إذ هذه الثلاثة أمور من عمل الإنسان وسعيه الولد انجبه ورباه والصدقة الجارية أوقفها بنفسه والعلم تعلمه وبثّه فى الناس وعلمه فالجميع من سعيه وكسبه.
* (وَأَنَّ سَعْيَهُ) أى عمله في الدنيا من خير وشر (سَوْفَ يُرى) علانية ويجزى به خيرا كان أو شرا والجزاء الأوفى أي الأكمل الأتم.
__________________
(١) يقال : أكدى الحافر وأجبل إذا بلغ في حفره كدية أو جبلا فلا يمكنه أن يحفر ، ثم استعمل فيمن أعطى ولم يتمم ، ولمن طلب شيئا ولم يبلغ آخره. قال الحطيئة :
أعطى قليلا ثم أكدى عطاءه |
|
ومن يبذل المعروف في الناس يحمد |
(٢) الاستفهام إنكاري أي : ينكر عليه ما ادعاه من تحمل العذاب عن غيره ، وفيه معنى التعجب فيما ادعاه كأنه يعلم الغيب ويشاهده ، وليس له ذلك.
(٣) (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ) أن : هي المخففة من الثقيلة ، وموضعها جائز أن يكون حرفا بدلا من (ما) في قوله (بِما فِي صُحُفِ) وجائز أن يكون في موضع رفع على إضمار : هو ، وهو ما يفهم من التفسير.
(٤) يظهر أن هذا العام خصصته السنة فقد أجاز النبي صلىاللهعليهوسلم الحج والعمرة عن الغير كما أجاز الصدقة كذلك وقد يقال إن الذي يحج أو يتصدق عن غيره) هو بمثابة متوسل إلى الله تعالى طالب منه المغفرة والرحمة فإذا استجاب الله تعالى له غفر للميت ورحمه وهذا جزاء كل عمل صالح.