سلوككم ويجزيكم به. وقوله تعالى (نَحْنُ جَعَلْناها) أي النار (تَذْكِرَةً) لكم تذكركم بنار الآخرة فالذي أوجد هذه النار قادر على إيجاد نار أخرى لو كنتم تذكرون وجعلناها أيضا (مَتاعاً) أي بلغة (لِلْمُقْوِينَ) (١) المسافرين يتبلغون بها في سفرهم حتى يعودوا إلى ديارهم. فالقادر على الخلق والإيجاد والتدبير لمصالح عباده قادر على إيجاد حياة أخرى يجزي فيها المحسنين اليوم والمسيئين إذ الحكمة تقتضي هذا وتأمر به.
وقوله تعالى (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ) (٢) (الْعَظِيمِ) بعد إقامة الحجة على منكرى البعث بالادلة العقلية امر تعالى رسوله أن يسبح ربه أي ينزهه عن اللعب والعبث اللازم لخلق الحياة الدنيا على هذا النظام الدقيق ثم إفنائها ولا شيء وراء ذلك. إذ البعث والحياة الآخرة هي الغاية من هذه الحياة الدنيا فالناس يعملون ليحاسبوا ويجزوا فلا بد من حياة أكمل وأتم من هذه الحياة يتم فيها الجزاء وقد بينها تعالى وفصلها في كتبه وعلى ألسنة رسله ، وضرب لها الأمثال فلا ينكرها الا سفيه هالك.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ تقرير عقيدة البعث والجزاء.
٢ ـ إقامة الأدلة والبراهين العديدة على صحة البعث وإمكانه عقلا.
٣ ـ بيان منن الله تعالى على عباده فى طعامهم وشرابهم.
٤ ـ وجوب شكر الله تعالى على إفضاله وإنعامه.
٥ ـ في النار التى توقدها عبرة ، وعظة للمتقين.
٦ ـ وجوب تسبيح (٣) الله وتنزيهه عما لا يليق بجلاله وكماله من العبث والشريك.
(فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦)
__________________
(١) المقوى : الداخل في القواء وهو القفر ، فالمقوون ، الداخلون في القواء الذي هو القفر والقفار وهذه حال المسافر ، والمقوى أيضا : الجائع القفر البطن الخاوي من الطعام ، فالنار يتمتع بها المسافرون للاستضاءة والاستدفاء وطبخ الطعام.
(٢) الباء في باسم : زائدة لتوكيد اللصوق أي : اتصال الفعل بمفعوله وذلك لوقوع الأمر بالتسبيح عقب ذكر عدة أمور تقتضيه حسبما دلت عليه فاء الترتيب والتعقيب ، واسم الرب هو الله الدال على ذاته سبحانه وتعالى ، والتسبيح. التنزيه عما لا يليق ولفظه سبحان الله أي : ننزه الله عما أضافه إليه المشركون من الأنداد والعجز عن البعث.
(٣) في الصحيح : (لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم) قال الرسول صلىاللهعليهوسلم : (اجعلوها في ركوعكم) فكان المصلي إذا ركع قال : سبحان ربي العظيم ثلاثا أو أكثر امتثالا لأمر الله ورسوله).