بها كما يستتر المحارب بجنته فوق رأسه ، فهم بأيمانهم الكاذبة أنهم مؤمنون وقوا بها أنفسهم وأزواجهم وذرياتهم من القتل والسبي ، وبذلك (فَصَدُّوا عَنْ (١) سَبِيلِ اللهِ) أنفسهم وصدوا غيرهم ممن يقتدون بهم وصدوا المؤمنين عن جهادهم بما أظهروه من إيمان صورى كاذب. قال تعالى : (إِنَّهُمْ (٢) ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) يذم تعالى حالهم ويقبح سلوكهم ذلك وهو اتخاذ أيمانهم جنة وصدهم عن سبيل الله وقوله تعالى الآية رقم ٣ (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ (٣) عَلى قُلُوبِهِمْ) أي سوء عملهم وقبح سلوكهم ناتج عن كونهم آمنوا ثم شكوا أو ارتابوا فنافقوا وترتب على ذلك أيضا الطبع على قلوبهم (فَهُمْ) لذلك (لا يَفْقَهُونَ) معنى الايمان ولا صحته من بطلانه وهذا شأن من توغل في الكفر أن يختم على قلبه فلا يجد الإيمان طريقا الى قلب قد أقفل عليه بطابع الكفر وخاتم النفاق والشك والشرك.
وقوله تعالى في الآية (٤) (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ (٤) تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ) أي وإذا رأيت يا رسولنا هؤلاء المنافقين ونظرت إليهم تعجبك أجسامهم لجمالها إذ كان ابن أبي جسيما صبيحا (وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) وذلك لفصاحتهم وذلاقة ألسنتهم. وقوله تعالى : (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) وهو تشبيه رائع : انهم لطول أجسامهم وجمالها وعدم فهمهم وقلة الخير فيهم كأنهم خشب مسندة على جدار لا تشفع ولا تنفع كما يقال.
وقوله تعالى : (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) وذلك لخوفهم والرعب المتمكن من نفوسهم نتيجة ما يضمرون من كفر وعداء وبغض للإسلام وأهله فهم إذا سمعوا صيحة في معسكر أو صوت منشد ضاله يتوقعون أنهم معتبون بذلك شأن الخائن وأكثر ما يخافون أن ينزل القرآن بفضيحتهم وهتك أستارهم. قال تعالى (٥) (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) يا رسولنا إن قلوبهم مع أعدائك فهم يتربصون بك الدوائر.
قال تعالى : (قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) فسجل عليهم لعنة لا تفارقهم إلى يوم القيامة كيف يصرفون عن الحق وأنواره تغمرهم القرآن ينزل والرسول يعلم ويزكى وآثار ذلك في المؤمنين
__________________
(١) الفاء للتفريع فجملة (فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) متفرعة عن جملة (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً).
(٢) الجملة تذييلية من أجل تفظيع حالهم ، والتنديد بسوء سلوكهم.
(٣) الإشارة إلى قوله : (إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ).
(٤) هذه الجملة معطوفة على سابقتها وهي (فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) وهي واقعة موقع الاحتراس والتتميم لدفع إيهام من يغره ظاهر صورهم وأشكالهم كما في قول حسان رضي الله عنه :
لا بأس بالقوم من طول ومن غلظ |
|
جسم البغال وأحلام العصافير |
(٥) الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا إذ قوله تعالى : (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) يثير تساؤلات فأجيب السائل المتطلع بقوله تعالى : (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) ونفسيتهم المريضة هي التي جعلتهم يحسبون كل صيحة عليهم كما قال المتنبي :
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه |
|
وصدّق ما يعتاده من توهم |